ما حكم إخراج زكاة المال على شكل أشجار مثمرة تزرع في أراضٍ مهددة بالمصادرة أو الضم للمستوطنات؟
الجواب /
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بالإشارة إلى سؤالكم المثبت نصه أعلاه، فإن الإجابة عنه تكون من جانبين، أحدهما يتعلق بحكم دفع القيمة بدل العين في الزكاة، والثاني يتعلق بحكم إخراج الزكاة لهذا المصرف؛ أي لصالح الأرض المهددة بالمصادرة، أو الضم للمستوطنات.
أما بالنسبة للجانب الأول، فإن الفقهاء اختلفوا في حكم إخراج الزكاة بالصورة المذكورة في السؤال، فذهب جمهور الفقهاء إلى منع إخراج القيمة في الزكاة، وأجاز بعض أهل العلم إخراجها، وهو مذهب أبي حنيفة ومن وافقه، وحاصل مذهبه أن كل ما جازت الصدقة به جاز إخراجه في الزكاة، سواء كان من جنس الذي وجبت فيه الزكاة أم من غيره، وهناك مذهب ثالث وسط يراه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع، أما إن كان لحاجة أو مصلحة راجحة تعود على الفقير فلا بأس به، حيث قال: "إخراج القيمة لغير حاجة، ولا مصلحة راجحة ممنوع منه... ولأنه متى جُّوِز إخراج القيمة مطلقاً، فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة، وقد يقع في التقويم ضرر، ولأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه، وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل، فلا بأس به" [مجموع الفتاوى: 25/82]، ونميل إلى ترجيح رأي أبي حنيفة في هذا الجانب، والذي يفيد بجواز إخراج القيمة في الزكاة.
وبالنسبة للجانب الثاني من السؤال، والمتعلق بحكم دفع الزكاة للمصرف المذكور فإن مصارف الزكاة محددة بثمانية، ذكرتها الآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، والفقهاء اختلفوا في تفسير المراد بمصرف "فِي سَبِيلِ اللَّهِ" على رأيين، فجمهور الفقهاء اعتبره مقصوراً على الجهاد في سبيل الله، فمنعوا صرف الزكاة في جهات الخير العامة، مثل بناء المساجد والمدارس وغيرها، واحتجوا على ذلك بأمرين: الأول أنَّ من أركان الزكاة التمليك، وهذا الركن معدوم لأن الصرف إلى جهات الخير العامة لا ملكية فيها لأحد، والأمر الثاني: الحصر، فإن بناء المساجد والمدارس وغيرها من أعمال البر، ليست من المصارف الثمانية التي حددها القرآن، فقد جاء لفظ "إِنَّمَا" للحصر والإثبات، حيث تثبت المذكور، وتنفي ما عداه.
وذهب بعض العلماء إلى أنَّ "فِِي سَبِيلِ اللَّهِ" يشمل كل أعمال البر والخير، وكل ما يعود على المسلمين بالمنفعة، فأجازوا بذلك صرف الزكاة في بناء المساجد والمدارس والمستشفيات، وفي كل المشاريع الخيرية، يقول الشيخ شلتوت: "وكلمة "فِي سَبِيلِ اللَّه"ِ على وجه عام كل ما يحفظ للأمة مكانتها المادية والروحية"، كما أجاز الدكتور وهبة الزحيلي دفع الزكاة لكل ما فيه صد للعدوان على المسلمين في شتى ديارهم، في فلسطين وغيرها من بلاد الإسلام.
ونرجح رأي الجمهور، الذي يرى "فِي سَبِيلِ اللَّهِ" خاصة بالجهاد؛ لأنه لو أنَّ الآية عامة لكل ما يُتقرب به إلى الله تعالى من جهات البر والخير، لحُرِم من الزكاة من هو أهلها وأحق بها؛ ولو علم الناس أن زكاتهم في بناء المساجد وغيرها في وجوه الخير تجزئ، لبادروا إليه لبقاء نفعه إلى يوم القيامة.
ومع ترجيحنا لرأي الجمهور إلا أن موضوع السؤال يتضمن صورة من صور الجهاد في سبيل الله، والدفاع عن بلاد المسلمين، وذلك يستحق النظر، فإخراج زكاة المال لتصرف على توفير أشجار مثمرة لزراعتها في أراضي مهددة بالمصادرة، أو الضم للمستوطنات، هو تثبيت لملكية هذه الأراضي، والحفاظ على حق المواطن الفلسطيني في أرضه ووطنه، وذلك شكل من أشكال الجهاد في سبيل الله، بشرط التأكد من مساعدة هذا العمل في المحافظة على الأرض المهددة بالمصادرة من أن تتسرب للأعداء، والله تعالى أعلم.