.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

حمد الله أن صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ - الحلقة الأولى

==========================================================

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ)(صحيح البخاري)
عمل النبي، صلى الله عليه وسلم، على تغيير الواقع والأحوال نحو الأفضل في إطار الامتثال لأمر الله ودينه القويم، والسعي لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، ومن منطلق الاستجابة لأمر الله تعالى بالتأسي بالنبي، صلى الله عليه وسلم، حيث يقول جل شأنه:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(الأحزاب:21) ينبغي لنا بذل الجهود الحثيثة للاسترشاد بالهدي النبوي عند اتخاذ المواقف حول ما يجري في واقعنا أو يكاد لنا، فبهذا الاسترشاد يؤمل أن تتحقق لنا الغلبة المنشودة، وتجاوز الصعاب العاتية التي تهدف لاقتلاعنا من جذورنا، كما هدف الأحزاب الذين تآلفوا على اجتياح معقل الإسلام الأول يوم الخندق، واجتمعوا لذلك، وقد بقيت ذاكرة هزيمة الأحزاب في تصور النبي، صلى الله عليه وسلم، وخلده، وكان يمجد الله لما يقفل من سفر، أو غزو بأمور، منها أنه هزم الأحزاب وحده جل جلاله.
وقفة عند معاني الحديث أعلاه وفقهه
جاء في عمدة القاري أن قوله: (إذا قفل) القفول الرجوع، وفي شرح الفصيح لابن هشام، القافلة الراجعة، فإن كانت خارجة فهي الصائبة، سميت بذلك على وجه التفاؤل، كأنها تصيب كل ما خرجت إليه، وفي الجامع لا يكون القافل إلاَّ الراجع إلى وطنه، وفي النهاية يقال للسفر: قفول في الذهاب والمجيء، وأكثر ما يستعملون في الرجوع.
قوله: (على كل شرف) بفتحتين، وهو المكان العالي، وقال الجوهري: جبل مشرف عال، وقال الفراء: أشرف الشيء علا وارتفع.
وقوله: (آيبون) أي راجعون إلى الله، وفيه إيهام معنى الرجوع إلى الوطن، يقال: آب إلى الشيء أوباً وإياباً، أي رجع، وقيل: لا يكون الإياب إلاَّ الرجوع إلى أهله ليلاً.
وقوله: (تائبون) من التوبة، وهو رجوع عما هو مذموم شرعاً إلى ما هو محمود شرعاً.
وقوله: (لربنا) إما خاص بقوله: (ساجدون) وإما عام لسائر الصفات، على سبيل التنازع.
وقوله: (وهزم الأحزاب) أي هزمهم يوم الأحزاب، والأحزاب هم الطائفة المتفرقة الذين اجتمعوا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على باب المدينة، فهزمهم الله تعالى بلا مقاتلة وإيجاف خيل، ولا ركاب، وقال عياض: ويحتمل أنه يريد أحزاب الكفرة في الأيام والمواطن جميعها، ويحتمل أنه يريد الدعاء، كأنه قال: اللهم افعل ذلك وحدك، وخص استعمال هذا الذكر هنا؛ لأنه أفضل ما قاله النبيون قبله.
وفي الحديث من الفقه، استعمال حمد الله تعالى، والإقرار بنعمه، والخضوع له، والثناء عليه عند القدوم من الحج والجهاد، على ما وهب من تمام المناسك، وما رزق من النصر على العدو، والرجوع إلى الوطن سالمين، وكذلك إحداث حمد الله تعالى، والشكر له على ما يحدث لعباده من نعمه، فقد رضي من عباده بالإقرار له بالوحدانية، والخضوع له بالربوبية، والحمد والشكر، عوضاً عما وهبهم من نعمه، تفضلاً عليهم ورحمة لهم.(عمدة القاري:10/132)
غزوة الأحزاب – الخندق
حاصر الأحزاب المسلمين المتحصنين في المدينة المنورة في شهر شوال من العام الخامس الهجري، وفي القرآن الكريم وكتب السيرة والسنة حديث هادف عن هذه الغزوة، والعبر والعظات المستفادة منها، وقد جاء في صحيح السنة عن حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه، قال: (لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ، وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَسَكَتْنَا، فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ، جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَسَكَتْنَا، فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ، جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَسَكَتْنَا، فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَقَالَ: قُمْ يَا حُذَيْفَةُ، فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ، فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ، قَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ، جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ، فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ، فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ، وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ، فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ، فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا، فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، قَالَ: قُمْ، يَا نَوْمَانُ)(صحيح مسلم)
وعن الْبَرَاءَ قال: (كانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الْأَحْزَابِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ، وَلَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ، وَهُوَ يَقُولُ:
وَاللهِ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا إِنَّ الْأُلَى قَدْ أَبَوْا عَلَيْنَا
قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ:
إِنَّ الْمَلَا قَدْ أَبَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
وَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ)(صحيح مسلم)

فهذه نبذة عن التهيئة لغزوة الخندق التي تجمع فيها الأحزاب على حرب المسلمين، فوفق الله المسلمين لحفر الخندق ليحول دون تمكّن أعدائهم من الوصول إليهم، وفيها أيد الله المسلمين بجنده؛ فسخر لهم الريح والملائكة تقاتل معهم، آملين أن ييسر الله متابعة الحديث عن صدق وعد الله، ونصره عبده، وهزمه الأحزاب وحده، حسب ما جاء عن الرسول محمد، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
28 ربيع الأول 1445هـ

تاريخ النشر 2023-10-13
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس