.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

فرض صدقة الفطر

==========================================================

عن ابن عُمَرَ، رضي الله عنهما، قال: (فَرَضَ رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا من تَمْرٍ، أو صَاعًا من شَعِيرٍ، على الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ من الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بها أَنْ تُؤَدَّى قبل خُرُوجِ الناس إلى الصَّلَاةِ)(صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب فرض صدقة الفطر)
من خصائص شهر رمضان المبارك بالإضافة إلى فرض صيام أيامه، وقيام لياليه بصلاة خاصة، أن فيه صدقة خاصة لا تفرض على المسلمين إلا فيه، وهي صدقة الفطر، التي يحسن الوقوف عند بعض أحكامها ومتعلقاتها فيما يأتي:
المقصود بصدقة الفطر
زكاة الفطر أو صدقة الفطر هي الصدقة التي فرضها النبي، صلى الله عليه وسلم، على أشخاص المسلمين الأحياء الذين يشهدون شهر رمضان، وهي محددة بمقدار معين، ولها وقت لإخراجها ينبغي أن لا تؤخر عنه، ومن حكم فرضها أنها تساعد الصائم على التطهر من الرفث واللغو؛ أي أنها تسهم في تنقية عبادة الصائم من المتعلقات السلوكية السلبية، التي تلبس بها خلال صومه، إضافة إلى أنها تترجم فائدة مجتمعية من فوائد الصوم، إذ يمر العابد بتجربة منعه من تناول الطعام والشراب وهما بين يديه، فيدرك أن الفقير يعاني من الحرمان والجوع بسبب الفاقة والفقر معاناة طويلة الأمد، وبالغة الأثر، فيندفع لمساعدة الفقير والمسكين.
وجوب صدقة الفطر
واضح من الأحاديث الصحيحة أن حكم صدقة الفطر فرض، أمر به النبي، صلى الله عليه وسلم، فهي ليست الزكاة التي تجب في المال والذهب والفضة والزروع والثمار والأنعام وعروض التجارة، وإنما هي زكاة من نوع آخر، تجب على النفوس، فكل مسلم صغير وكبير، ذكر وأنثى، صحيح ومريض، تجب عنه صدقة الفطر، فعن نَافِعٍ عن ابن عُمَرَ، رضي الله عنهما، قال: (... وكَانَ ابن عُمَرَ يُعْطِي عن الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حتى إن كان يعطي عن بَنِيَّ)(صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر على الحر والمملوك)
قال الكرماني: قوله: "عن بَنِيَّ" هو قول نافع، يعني كان ابن عمر يعطي عن أولادنا، وهم موالي عبد الله، وفي نفقته، فكان يعطي عنهم الفطرة.(عمدة القاري:9/120)
حتى الفقير فإنه يلزم بإخراجها إن ملك مقدارها زيادة عن قوته وقوت عياله يوم عيد الفطر وليلته، من هنا روعيت ظروف الفقراء في تحديد قيمتها، ولم تحدد القيمة المعلنة لحدها الأدنى بأغلى البدائل المشروعة لها، رفعاً للحرج عن الفقراء وأصحاب الظروف الاقتصادية الصعبة.
مقدار صدقة الفطر والمواد التي تخرج منها
وردت أحاديث صحيحة في تحديد المواد التي تخرج منها صدقة الفطر، كحديث ابن عمر، رضي الله عنهما، أعلاه، الذي ذكر فيه التمر والشعير، وهناك أحاديث أخرى ذكر بالإضافة إليهما الطعام والأقط والزبيب، فعن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، رضي الله عنه، قال: (كنا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا من طَعَامٍ أو صَاعًا من شَعِيرٍ، أو صَاعًا من تَمْرٍ، أو صَاعًا من أَقِطٍ، أو صَاعًا من زَبِيبٍ)(صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر صاع من طعام)
وكثيراً ما يذكر قوت البلد، بدل التحديد المعين للنوع الذي تخرج منه، حتى إن الناس استعاضوا عن صاع التمر أو صاع الشعير بمدين من الحنطة، فعن نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قال: أَمَرَ النبي، صلى الله عليه وسلم، بِزَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعًا من تَمْرٍ أو صَاعًا من شَعِيرٍ. قال عبد اللَّهِ، رضي الله عنه: فَجَعَلَ الناس عِدْلَهُ مُدَّيْنِ من حِنْطَةٍ)(صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر صاعاً من تمر)
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رضي الله عنه، قال: (كنا نُعْطِيهَا في زَمَانِ النبي، صلى الله عليه وسلم، صَاعًا من طَعَامٍ، أو صَاعًا من تَمْرٍ، أو صَاعًا من شَعِيرٍ، أو صَاعًا من زَبِيبٍ، فلما جاء مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتْ السَّمْرَاءُ، قال: أُرَى مُدًّا من هذا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ)(صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب صاع من زبيب)
فالقاسم المشترك لأنواع المواد التي تخرج منها صدقة الفطر هو قوت البلد والطعام السائد، فعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رضي الله عنه، قال: (كنا نُخْرِجُ في عَهْدِ رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يوم الْفِطْرِ صَاعًا من طَعَامٍ، وقال أبو سَعِيدٍ: وكان طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالتَّمْرُ)(صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة قبل العيد) فأبو سعيد، رضي الله عنه، ربط إخراجها من الشعير والزبيب والأقط والتمر بكون ذلك طعامهم.
(وكَانَ ابن عُمَرَ، رضي الله عنهما، يُعْطِي التَّمْرَ، فَأَعْوَزَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ من التَّمْرِ فَأَعْطَى شَعِيرًا)(صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر على الحر والمملوك)
وهذا الذكر المنوع للمواد التي تخرج منها صدقة الفطر، يشير إلى مرونة في اختيار النوع المختار لإخراجها منه، مراعاة لمصالح المستفيدين منها، وأحوال مخرجيها، ويوحي هذا بترجيح رأي القائلين بجواز إخراج قيمتها نقداً، وإن كانوا يخالفون بهذا مذهب الجمهور.
وقد أخذ مجلس الإفتاء الفلسطيني بجواز إخراج القيمة في صدقة الفطر، تيسيراً على مخرجها، ومراعاة لمصلحة المستفيدين منها، استناداً إلى روح الأدلة الواردة فيها.
لمن تعطى صدقة الفقر؟
صدقة الفطر تعطى للفقير أو المسكين، توسعة لهما ولإغنائهما عن المسألة يوم العيد، وكان ابن عُمَرَ، رضي الله عنهما: يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا...)(صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر على الحر والمملوك) وهم الذين ينصبهم الإمام لقبض الزكوات، وقيل: معناه من قال أنا فقير.(عمدة القاري:9/120)
وبعض العلماء توسع في مصارفها، لتشمل مصارف الزكاة الثمانية، والراجح - والله أعلم- حصر صرفها بالفقراء والمساكين.
الوقت المشروع لإخراج صدقة الفطر
تجب صدقة الفطر في شهر رمضان المبارك، والعلماء اختلفوا في تحديد وقت وجوبها فيها، ووقت جوازها، وفي إخراجها من بداية الشهر خلاف، والأفضل تأخير إخراجها إلى ليلة العيد، أو قبيل يوم العيد بيوم أو يومين، (...وَكَانُوا يُعْطُونَ قبل الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ)(صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر على الحر والمملوك) مع ضرورة الحذر من تأخير إخراجها لما بعد صلاة العيد، بدليل حديث ابن عمر أعلاه، وفيه: (...وَأَمَرَ بها أَنْ تُؤَدَّى قبل خُرُوجِ الناس إلى الصَّلَاةِ).
سائلين الله العلي القدير أن يتقبل صيامنا وصلاتنا وصدقاتنا، وأن يعتق رقابنا من النار، وأن يحشرنا مع نبينا وحبيبنا محمد، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
23 رمضان 1444هـ

تاريخ النشر 2023-04-14
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس