.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

قال للشاكين من ضراوة الأحوال: «وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» - الحلقة الخامسة

==========================================================

يوجه الله رسوله الكريم محمداً، صلى الله عليه وسلم، ليقول لمستعجلي العذاب: عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ، فيقول عز وجل: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ* وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} (النمل:70-72)
وقفت الحلقة السابقة عند خطاب الله الموجه لنبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، في الآية 47 من سورة الحج، المتضمن الإشارة إلى استعجال المشركين الرسول، صلى الله عليه وسلم، بالعذاب، والذي عقب الله فيه بالتأكيد على أن الله لا يخلف وعده، وأن يوماً عنده كألف سنة مما يعد الخلق، وأشار القرآن الكريم إلى أنواع من الاستعجال المذموم، ومن ذلك الاستعجال بالعذاب وبالسيئة، والاستعجال بالسيئة قبل الحسنة، أي بالنقمة قبل العافية، والمعنى أنهم طلبوا العذاب على وجه الاستخفاف، وقد كان الكافرون يَطْلُبُونَ تَعْجِيلَ العَذَابِ تَمَرُّدًا وَطُغْيَانًا، وَلَمْ يَتَّعِظُوا بِمَا أَوْقَعَ اللَّهُ بِالْأُمَمِ السَّالِفَةِ مِنَ الْمَثُلَاثِ - أَيِ الْعُقُوبَاتِ - كَمَا فَعَلَ بِقَوْمِ نُوحٍ، وَقَوْمِ هُودٍ، وَقَوْمِ صَالِحٍ، وَقَوْمِ لُوطٍ، وَقَوْمِ شُعَيْبٍ، وَفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ . ومن ذلك إنكار نبي الله صالح، عليه السلام، على قومه استعجالهم السيئة قبل الحسنة، وتوجيههم للاستغفار عساهم ينالوا رحمة الله، ومن الأمثلة التي ضربها الله في القرآن الكريم للاعتبار والاتعاظ، التذكير بعذابه الذي وقع على المستعجلين به، ما جرى لعاد قوم هود، تسلية لرسوله، صلى الله عليه وسلم، بأن له أسوة بالرسل والأنبياء من قبله.
عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ
حول معنى الآيات الثلاث من سورة النمل المثبت نصها أعلاه، بين السعدي أن الله طلب من الرسول، صلى الله عليه وسلم، بأن لا يحزن على هؤلاء المكذبين، وعدم إيمانهم، فإنه لو علم ما فيهم من الشر، وأنهم لا يصلحون للخير، لم يأس ولم يحزن، ولا يضيق صدره، ولا يقلق نفسه بمكرهم، فإن مكرهم ستعود عاقبته عليهم، مصداقاً لقوله عز وجل: {...وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ} (الأنفال:30)، ويعبر المكذبون بالمعاد، وبالحق الذي جاء به الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن استعجالهم العذاب بسؤالهم الذي أخبر عنه القرآن الكريم: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وهذا من سفاهة رأيهم وجهلهم؛ فإن وقوع العذاب ووقته قد أجله الله بأجله، وقدره بقدر، فلا يدل عدم تحقق ما استعجله بعضهم على سلامة مطلوبهم وصحته، ولكن -مع هذا- قال تعالى محذراً لهم وقوع ما استعجلوه: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} أي: قرب منكم وأوشك أن يقع بكم {بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} من العذاب. (تفسير السعدي، 1 /609)
يبين محمد الطاهر بن عاشور أن التعبير هنا بالمضارع للدلالة على تجدد ذلك القول منهم، أي لم يزالوا يقولون. والمراد بالوعد ما أُنذروا به من العقاب. والاستفهام عن زمانه، وهو استفهام تهكم منهم، بقرينة قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. وأمر الله نبيه بالجواب عن قولهم؛ لأن هذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ومن أطلعه على شيء منه من عباده المصطفين. و{عَسَى} للرجاء، وهو مستعمل في التقريب مع التحقيق. و{رَدِفَ} تبع بقرب. والمعنى: رجاء أن يكون ذلك قريب الزمن، وهذا إشارة إلى ما سيحل بهم يوم بدر، وحذف متعلق {تَسْتَعْجِلُونَ} أي تستعجلون به. (التحرير والتنوير، 19/300)

المعاقبة بالمستعجل به
إضافة إلى الإخبار الرباني التذكيري عن قرب وقوع العذاب المستعجل به بمستعجليه، حسب ما تضمنه قوله عز وجل: {قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} (النمل: 72)، فإن آيات قرآنية أخرى أشارت بطريقة أو بأخرى إلى وقوع العذاب المستعجل به بالمستعجلين، لكن في الوقت والظرف والوصف الذي يريده الله جل شأنه، ومن تلك الآيات الكريمة قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ* أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ* ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} (يونس:50-52)
يذكر الشنقيطي أن الله تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ الْكُفَّارَ يَطْلُبُونَ فِي الدُّنْيَا تَعْجِيلَ الْعَذَابِ كُفْرًا وَعِنَادًا، فَإِذَا عَايَنُوا الْعَذَابَ آمَنُوا، وَذَلِكَ الْإِيمَانُ عِنْدَ مُعَايَنَةِ العَذَابِ وَحُضُورِهِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ هُنَا بِقَوْلِهِ: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} وَنَفَى أَيْضًا قَبُولَ إِيمَانِهِمْ فِي ذَلِكَ الْحِينِ بِقَوْلِهِ: {آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} .
وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ* فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّت اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} (غافر: 84-85)، وَقَوْلِهِ: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ* آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ* فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} (يونس-90-92)
وَقَوْلِهِ: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} (النساء:18) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، 2 /160-161)
ويبين الشوكاني أن قَوْلهُ: {آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} قِيلَ: هُوَ اسْتِئْنَافٌ بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ، غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتِ الْقَوْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ، أَيْ: قِيلَ لَهُمْ عِنْدَ إِيمَانِهِمْ بَعْدَ وُقُوعِ الْعَذَابِ: آلْآنَ آمَنْتُمْ بِهِ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ؟ أَيْ: بِالْعَذَابِ، تَكْذِيبًا مِنْكُمْ وَاسْتِهْزَاءً، لِأَنَّ اسْتِعْجَالَهُمْ كَانَ عَلَى جهة التّكذيب وَالِاسْتِهْزَاءِ، وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِأَمْرِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَقُولَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ: التَّوْبِيخُ لَهُمْ، وَالِاسْتِهْزَاءُ بِهِمْ، وَالْإِزْرَاءُ عَلَيْهِمْ، وقَوْلُهُ: {ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ} (يونس: 52) مَعْطُوفٌ عَلَى الْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ، قِيلَ: آلْآنَ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ: التَّقْرِيعُ وَالتَّوْبِيخُ لَهُمْ، أَيْ: قِيلَ لِلَّذِينِ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْكُفْرِ وَعَدَمِ الْإِيمَانِ: إِنَّ هَذَا الَّذِي تَطْلُبُونَهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ، عَارٍ عَنِ النَّفْعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْعَاقِلُ لَا يَطْلُبُ ذَلِكَ، وَيُقَالُ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِهَانَةِ لَهُمْ: {ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ}، أَيِ: الْعَذَابَ الدَّائِمَ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ، وَالْقَائِلُ لَهُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَالَّتِي قَبْلَهَا قِيلَ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ هُمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ لِذَلِكَ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَى الْخُصُوصِ، أَوِ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى الْعُمُومِ.
{ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} (يونس: 52) فِي الْحَيَاةِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَالِاسْتِفْهَامُ: لِلتَّقْرِيرِ، وَكَأَنَّهُ يُقَالُ لهم هذا القول عند اسْتِغَاثَتِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَحُلُولِ النِّقْمَةِ. (فتح القدير، 2 /513-514، بتصرف)
يبين محمد الطاهر بن عاشور أن الذوق: مستعمل في الإحساس، والاستفهام في {هَلْ تُجْزَوْنَ؟} إنكاري بمعنى النفي، ولذلك جاء بعده الاستثناء {إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}. وجملة: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ؟} استئناف بياني؛ لأن جملة: {ذُوقُوا عَذَابَ الخُلْدِ} تثير سؤالاً في نفوسهم عن مقدار ذلك العذاب، فيكون الجواب على أنه على قدر فظاعة ما كسبوه من الأعمال، مع إفادة تعليل تسليط العذاب عليهم. (التحرير والتنوير، 11 -104)

أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ
موسى، عليه السلام، لما رجع إلى قومه غضبان، قال لهم: {بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} وأخبر سبحانه عن هذا الجانب من قصة موسى، عليه السلام، مع قومه، بقوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (الأعراف:150)
ولما رجع موسى إلى قومه مِن بني إسرائيل غضبانَ حزينًا؛ لأن الله قد أخبره أنه قد فُتِن قومه، وأن السامريَّ أضلَّهم، قال موسى: بئس الخلافة التي خلفتموني مِن بعدي، أعجلتم أَمْر ربكم؟ أي: استعجلتم مجيئي إليكم وهو مقدَّر من الله تعالى؟ وألقى موسى ألواح التوراة غضباً على قومه الذين عبدوا العجل، وغضبًا على أخيه هارون، وأمسك برأس أخيه يجره إليه، وقال هارون مستعطفًا: يا ابن أمي: إن القوم استذلوني، وعدُّوني ضعيفًا، وقاربوا أن يقتلوني، فلا تَسرَّ الأعداء بما تفعل بي، ولا تجعلني في غضبك مع القوم الذين خالفوا أمرك وعبدوا العجل. (التفسير الميسر، 3 /111)
وتعرضت سورة طه لذكر هذا الجانب من قصة موسى، فقال عز وجل: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى* قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى* قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ* فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي} (طه: 83-86)
يبين السعدي أن الله تعالى كان قد واعد موسى أن يأتيه لينزل عليه التوراة ثلاثين ليلة، فأتمها بعشر، فلما تم الميقات، بادر موسى، عليه السلام، إلى الحضور للموعد شوقاً لربه، وحرصاً على موعوده، فقال الله له: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} أي: ما الذي قدمك عليهم؟ ولم لم تصبر حتى تقدم أنت وهم؟ قال: {هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي} أي: قريباً مني، وسيصلون في أثري، والذي عجلني إليك يا رب طلباً لقربك، ومسارعة في رضاك، وشوقاً إليك، فقال الله له: {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ} أي: بعبادتهم للعجل، ابتليناهم، واختبرناهم، فلم يصبروا، وحين وصلت إليهم المحنة، كفروا {وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} (تفسير السعدي، 1 /511)
فهذه وقفة أخرى عند محاور عبارة: «وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» وأبعادها، تركز الحديث فيها على العاقبة الوخيمة لاستعجال العذاب والشر، والمعاقبة بالمستعجل به، ليزداد البيان والتوضيح لسلبيات الاستعجال لأمور تحمل في طياتها وتداعياتها شراً كثيراً، وفي المثل الدارج: في العجلة الندامة، وفي التأني السلامة، والعجلة من الشيطان.
قال الشنفرى: وإنْ مدَّت الأيدي إلى الزَّاد لم أكنْ بِأعْجلهمْ إذْ أجْشعُ القوم أعجلُ
وقال آخر: واصْبِرْ قليلاً وكنْ بالله مُعتصمًا لا تعْجلَن فإنَّ العجْز بالعَجَل
وقال أبو الفتح البستي : فلا تكنْ عجِلاً في الأمر تطلبُ فليس يُحْمد قبل النضج بحران
وقال أحمد الهاشمي صاحب كتاب (جواهر الأدب):
تأنَّ متَّئدا فيما تروم ولا تعجل وإنْ خُلق الإنسان مِنْ عجل
وقيل: قد يُدركُ المُتأنِّي بعْض حاجته وقد يكون مع المُستعْجل الزَّلل
وقال المعتضد العباسي حين وفاته:
رماني الرَّدى سهْمًا فأخْمَدَ جَمْرتي فهَا أنَا ذا فِي حُفْرتي عاجلاً ألقَى (مجلة آراء، الاستعجال المفهوم وغير المفهوم، العدد (578) نوفمبر 2024 م)
راجين التوفيق لختم الوقوف عند ما تيسر من محاور هذا الموضوع وأبعاده، في ضوء آيات القرآن الكريم المنزلة على خاتم النبيين محمد، صلى الله وسلم عليه، وعلى آل بيته الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
6 جمادى الأولى 1446هـ

تاريخ النشر 2024-11-08
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس