عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَخْرُجُ يوم الْفِطْرِ وَالأَضْحَى إلى الْمُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ الناس، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ على صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ، وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كان يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثاً قَطَعَهُ، أو يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ). (صحيح البخاري)
شرعت صلاة العيد في السنة الأولى من الهجرة.
واختلف في حكم صلاة العيد، فهي فرض كفاية عند الحنابلة، وواجبة عند الحنفية، وسنة عند المالكية والشافعية.
وتؤدى في المصلى، ويخرج لها الرجال والنساء والصبيان، فعن حَفْصَةَ قالت: (كنا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ في الْعِيدَيْنِ، فَقَدِمَتْ امْرَأَةٌ، فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَحَدَّثَتْ عن أُخْتِهَا، وكان زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مع النبي، صلى الله عليه وسلم، ثِنْتَيْ عَشَرَةَ، وَكَانَتْ أُخْتِي معه في سِتٍّ، قالت: كنا نُدَاوِي الْكَلْمَى، وَنَقُومُ على الْمَرْضَى، فَسَأَلَتْ أُخْتِي النبي، صلى الله عليه وسلم، أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إذا لم يَكُنْ لها جِلْبَابٌ أَنْ لا تَخْرُجَ، قال: لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا من جِلْبَابِهَا، وَلْتَشْهَد الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، فلما قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ، سَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ النبي، صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بِأَبِي نعم، وَكَانَتْ لا تَذْكُرُهُ إلا قالت: بِأَبِي سَمِعْتُهُ، يقول: يَخْرُجُ الْعَوَاتِقُ، وَذَوَاتُ الْخُدُورِ، أو الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ، وَالْحُيَّضُ، وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى، قالت حَفْصَةُ: فقلت: الْحُيَّضُ؟ فقالت: أَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ وَكَذَا وَكَذَا؟!).(صحيح البخاري)
والرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يؤدي صلاة العيد في المصلى، ويؤكد هذا أنه صلى الله عليه وسلم، كانت (تُرْكَزُ الْحَرْبَةُ قُدَّامَهُ يوم الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ ثُمَّ يُصَلِّي). (صحيح البخاري)
والمصلى هو مكان في الفضاء الواسع غير مخصص للصلاة اليومية، وهو في الغالب غير محاط بجدران خاصة أو سقف، فعن ابن عمر: "أن المصلى كان فضاء، ليس فيه شيء مبني يستتر به". (صحيح ابن خزيمة، 2/ 344)
وصلاة العيد لا أذان لها ولا إقامة، فعن ابن عَبَّاسٍ: (أنه أَرْسَلَ إلى ابن الزُّبَيْرِ في أَوَّلِ ما بُويِعَ له، أنه لم يَكُنْ يُؤَذَّنُ بِالصَّلاةِ يوم الْفِطْرِ، إنما الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلاةِ). (صحيح البخاري)
وكان صلى الله عليه وسلم، يؤدي صلاة العيد قبل الخطبة، عن ابن عَبَّاسٍ، قال: (شَهِدْتُ الْعِيدَ مع رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، رضي الله عَنْهُمْ، فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قبل الْخُطْبَةِ) (صحيح البخاري)، وصلاة العيد ركعتان، لم يُصَلِّ الرسول، صلى الله عليه وسلم، قَبْلَهَا ولا بَعْدَهَا، وكان صلى الله عليه وسلم، يخص النساء بوعظ خاص يوم العيد، فعن ابن عَبَّاسٍ، أَنَّ النبي، صلى الله عليه وسلم: (صلى يوم الْفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ، لم يُصَلِّ قَبْلَهَا ولا بَعْدَهَا، ثُمَّ أتى النِّسَاءَ، وَمَعَهُ بِلالٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ؛ تُلْقِي الْمَرْأَةُ خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا). (صحيح البخاري)
وبالنسبة إلى سماع خطبة العيد، فقد أتاح الرسول، صلى الله عليه وسلم، للمسلم حرية الاختيار بين المكث لسماع الخطبة بعد الصلاة، أو الانصراف، فعن عبدالله بن السائب، قال: (شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْعِيدَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ، قَالَ: إِنَّا نَخْطُبُ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ) (سنن أبي داود)، مع التأكيد على فضل سماع الخطبة، لما فيها من مواعظ وتذكير بالخير والصلاح.
ويحرم صيام أيام العيدين، فعن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، قال: (هَذَانِ يَوْمَانِ نهى رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، عن صِيَامِهِمَا؛ يَوْمُ فِطْرِكُمْ من صِيَامِكُمْ، وَالْيَوْمُ الْآخَرُ تَأْكُلُونَ فيه من نُسُكِكُمْ). (صحيح البخاري)
وصلاة العيد ركعتان، يكبر فيها عند الحنفية ثلاث تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام، وثلاث أخرى بعد القراءة في الركعة الثانية، ويكبر ستاً في الأولى وخمساً في الثانية عند المالكية والحنابلة، وسبعاً في الأولى وخمساً في الثانية بعد تكبيرة القيام من سجود الركعة الأولى، عند الشافعية. ويكون التكبير في الركعتين قبل القراءة، إلا عند الحنفية فيكون في الركعة الثانية بعد القراءة.
ويسن الغسل والتطيب وارتداء ملابس حسنة يوم العيد.
كما يسن قبل صلاة عيد الفطر أن يأكل المصلي تمرات وتراً، أو غير ذلك من المطعومات الخفيفة، فعن أَنَسِ قال: (كان رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لا يَغْدُو يوم الْفِطْرِ حتى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ)، وعن أَنَسٌ عن النبي، صلى الله عليه وسلم: (وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا) (صحيح البخاري)، ويؤخر الأكل بعد صلاة عيد الأضحى.
الترفيه على النفس والعيال يوم العيد
يسن للمسلمين أن يتعاملوا مع العيد على أنه يوم بهجة وسرور، فللعيد خصوصية ترفيهية، ينبغي أن يحس بها المسلمون، ويظهروها في أوساطهم الاجتماعية والأسرية، بشرط الانضباط فيها بالحدود المشروعة، فعن عَائِشَةَ، رضي الله عنها، قالت: (دخل أبو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ من جَوَارِي الأَنْصَارِ، تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ الأَنْصَارُ يوم بُعَاثَ، قالت: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فقال أبو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ في بَيْتِ رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم؟ وَذَلِكَ في يَوْمِ عِيدٍ، فقال رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: يا أَبَا بَكْرٍ؛ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيداً، وَهَذَا عِيدُنَا). (صحيح البخاري)
ومما يتماشى مع معنى التوسعة والترفيه على النفس في العيد، ما جاء عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، من نهي عن صوم يومي الفطر والأضحى وأيام التشريق، فقال: (...ولا صَوْمَ في يَوْمَيْنِ؛ الفِطْرِ وَالأَضْحَى...). (صحيح البخاري)
فعبادة الصيام طلبت من المسلم طيلة أيام شهر رمضان المبارك، ويوم العيد تصبح العبادة على شكل مغاير، بحيث يطلب من المسلم أن يتعبد إلى الله بالفطر، حتى أنه يسن للمسلم الأَكْلِ يوم الْفِطْرِ قبل الْخُرُوجِ إلى المصلى، فعن أَنَسِ، قال: (كان رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لا يَغْدُو يوم الْفِطْرِ حتى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا). (صحيح البخاري)
وفي انصياع المسلم لأمر الله بالإمساك عن المفطرات نهار رمضان، دليل على طاعته المطلقة لله، التي تظهر أيضاً بجلاء في الامتثال لشرع الله، والعمل بهدي الرسول، صلى الله عليه وسلم، في الكف عن الإمساك والصيام يوم العيد، وهذا يشبه كثيراً بعض جوانب العبادات الأخرى، التي منها حلق الشعر أو تقصيره حال الإحرام للحج أو العمرة، فإذا انتهى الحاج أو المعتمر من أداء بعض شعائرهما، يصبحان مطالبين بفعل الحلق أو التقصير، على سبيل الإلزام، ليعلنا بهذا وذاك أنهما ملتزمان بطاعة الله، ومنصاعان لأمر الله على الوجه الذي يريده الله سبحانه.
صلة أصحاب الحقوق في العيد
لا يعقل ولا يقبل شرعاً أن يتمتع المسلم وعياله ببهجة العيد وكمالياته وزينته، وبعض أقاربه أو جيرانه يفتقرون إلى ما يبهجهم في العيد، سواء ما تعلق من ذلك بالطعام أو اللباس أو غير ذلك، ومن أدلة عناية الإسلام بالفقراء في العيد، تشريع صدقة الفطر، التي تساهم كل البيوت المسلمة في إنفاقها للمحتاجين إليها، ووقت وجوبها المتفق عليه بين العلماء يكون بعد غروب شمس اليوم الأخير من رمضان، ويمتد إلى وقت أداء صلاة العيد، فإن أديت ينتهي وقتها، وفي هذا دليل على ارتباطها بالعيد، وبالتوسعة على الفقراء والمحتاجين فيه، حتى ينعموا ببهجة العيد، ويغنوا عن المسألة فيه.
كما ينبغي التذكير بأهمية صلة الأرحام في العيد، وصلة ذوي الأسرى والشهداء وبخاصة الأقارب منهم؛ وذلك لعظم حقهم، ولما قدموه من تضحية بأغلى ما يملكون في سبيل الله ومن أجل كرامة أمتهم والدفاع عن حريتها وحقوقها.
أعاننا الله ووفقنا إلى حسن الاقتداء به صلى الله عليه وسلم، في صلاتنا وصيامنا وعملنا كله، وصلى الله على آله وصحبه وأزواجه، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
10 ذو الحجة 1446هـ