.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

وحلمه إذا استغضب ورفقه ولطفه - الحلقة الرابعة

==========================================================

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: (قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً) (صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها)
وقفت الحلقة السابقة عند استحضار النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، قولاً لأحد إخوانه الأنبياء السابقين، دعا فيه لقومه بالهداية، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، بعد أن ضربوه وأدموه، وقيل: إن النبي المشار إليه هنا، هو نوح، عليه السلام، وفي هذا الإخبار ما يدل على ما ابتلي به الأنبياء، وأهل الفضل، لينالوا جزيل الأجر، وليكونوا مثالاً لأممهم وغيرهم بما أصابهم، كي يتأسوا بهم، وليعلم أنهم من البشر تصيبهم محن الدنيا، ويطرأ على أجسامهم ما يطرأ على أجسام البشر؛ ليتحققوا أنهم مخلوقون مربون.
ومعنى: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي) أَيْ: فِعْلَهُمْ هَذَا؛ بِمَعْنَى لَا تُعَذِّبْهُمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا تَسْتَأْصِلْهُمْ، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ حِلْمِ ذاك النبي وَحُسْنِ خُلُقِهِ، حَيْثُ أَذْنَبَ الْقَوْمُ، وَهُوَ يَعْتَذِرُ عَنْهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أَنَّهُمْ مَا فَعَلُوا مَا فَعَلُوا إِلَّا لِجَهْلِهِمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الذَّنْبَ مَعَ الْجَهْلِ أَهْوَنُ فِي الْجُمْلَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الذَّنْبِ مَعَ الْعِلْمِ، وأضافهم إليه (قومي) شفقة ورحمة بهم، ثم اعتذر عنهم بجهلهم، فقال: (فإنهم لا يعلمون)، وفي هذا الموقف ما يدل على ما كان عليه الأنبياء، صلوات الله عليهم، من الحلم والصبر والشفقة على أقوامهم وأممهم، وأنهم مع ما فعل بهم، وأذاهم لهم دعوا بالغفران، وعذروهم بالجهل، وقلة العلم بما أتوه.
وكانت للرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، مواقف مؤكدة على أنه مبعوث رحمة للعالمين، كقوله لملك الجبال بعد غزوة أحد، التي لقي فيها وأصحابه شدة بالغة: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»(صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم: آمين والملائكة في السماء آمين...)
ويبين ابن حجر العسقلاني أن فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَان شَفَقَةُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى قَوْمِهِ، وَمَزِيدِ صَبْرِهِ، وَحِلْمِهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ...} (آل عمران:159)، وَقَوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107)
الدعاء عَلَى المُشْرِكِينَ والظالمين
المقترح الذي عرض على النبي، صلىالله عليه وسلم ، بأن يلعن المشركين، يقصد منه الدعاء عليهم بالهلاك، وأن يُطردوا من رحمة الله، بسبب جرائمهم المروعة والفظيعة ضد الإسلام والمسلمين، وفي مسألة التجاوب مع هذا المقترح وما شابهه تفصيل، فالرسول، صلى الله عليه وسلم، امتنع هنا عن الدعاء عليهم، وثبت في أحاديث صحيحة أخرى أنه دعا على أقوام معينين من المشركين والظالمين، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: (أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ) (صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء، باب دعاء النبي، صلى الله عليه وسلم: «اجعلها عليهم سنين كسني يوسف» )، وكَانَ يَقُولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الفَجْرِ: (اللَّهُمَّ العَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا، بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] إِلَى قَوْلِهِ {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128]). (صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة آل عمران، باب {ليس لك من الأمر شيء} [آل عمران: 128])
وفي رواية صحيحة أخرى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِي يُوسُفَ، اللهُمَّ الْعَنْ لِحْيَانَ، وَرِعْلًا، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ»، ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا أُنْزِلَ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (آل عمران: 128)(صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة...)
ففي هذه الروايات الصحيحة إخبار عن دعائه، صلى الله عليه وسلم، على أقوام معينين، كمضر، ولحيان ورعل، وذكوان، وأحياء من العرب، ودعا على من شغل المسلمين من الكفار عن صلاة العصر يوم الأحزاب، كما جاء في حديث عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا، شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ) (صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة)
وعَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: (لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، المَدِينَةَ، وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلاَلٌ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولُ:
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَ: اللَّهُمَّ العَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الوَبَاءِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ) (صحيح البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب كراهية النبي، صلى الله عليه وسلم، أن تعرى المدينة)
وللعلماء تفصيل واسع في هذه المسألة، استناداً إلى الروايات الصحيحة بالخصوص، التي يظهر بعضها الترفع عن اللعن، وبعضها الآخر يثبت التلفظ به، مما يوحي بأن اللعن يجوز في أحوال معينة، فالإمام العيني يجيز الدُّعَاء على الْكفَّار إِذا أساؤوا الْأَدَب وأهانوا الدّين. (عمدة القاري شرح صحيح البخاري 2 /29)، وأنه يجوز الدُّعَاء على الْكفَّار بالأمراض والبليات. (عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 23 /8)، واستنبط القسطلاني من بعض هذه الروايات أن الدعاء على الكفار والظلمة لا يقطع الصلاة(شرح القسطلاني، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، 2 /234)، وكذلك روي عن الخطابي قوله: أَنَّ الدُّعَاءَ لِقَوْمٍ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَأَنَّ الدُّعَاءَ عَلَى الْكُفَّارِ وَالظَّلَمَةِ لَا يُفْسِدُهَا. (عون المعبود وحاشية ابن القيم، 4 /224)
والمجال هنا يضيق بتفصيل أقوال العلماء وآرائهم في هذه المسألة، لكن التوفيق بين منع اللعن في العموم والتلفظ به أحياناً أمر ممكن، ومن معززات المنع العام للعن ما يأتي:
لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا
يبين الشوكاني أن معنى: (لَعَّانًا) المبالغة في اللعن؛ أي الإبعاد عن الرحمة، والمراد نفي أصل الفعل، على وزن: {وَما رَبُّك بِظلامٍ للعَبيد} (فصلت: 46)، وهذا قاله لما قيل له ادعُ على المشركين، يعني لو كنت أدعو عليهم لبعدوا عن رحمة الله، ولصرت قاطعاً عن الخير، إني لم أبعث لهذا. (فيض القدير، 3/13)
ويبين محمد الأمين الهَرَري أن قوله، صلى الله عليه وسلم: (إنّي لَم أُبعث) حالة كوني (لعَّاناً) للناس (وَإنّما بُعثت) حالة كوني (رحمة) لهم، وقوله: (لم أبعث لعانًا) يعني أن تكثير اللعن ليس من دأبي وسنَّتي، أما دعوته على (رعل وذكوان) حين قتلوا أصحاب بئر معونة، فإما كان قبل هذا الحديث، وصار هذا الحديث كالنَّاسخ له، وإليه مال القرطبي، وإما أن يكون في أسباب مخصوصة مستثناة من عموم هذا الحديث، والله سبحانه أعلم. (الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم -المسمَّى:الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، 24 /392-393)
وإرباء الرسول، صلى الله عليه وسلم، لسانه عن اللعن، يتماشى مع حثه على طهارة اللسان بشكل عام، ومن ذلك بيانه أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، كما جاء عَنْ أَبِي مُوسَى، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ) (صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب أي الإسلام أفضل؟)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَبَّابًا، وَلاَ فَحَّاشًا، وَلاَ لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ المَعْتِبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ) (صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب «لم يكن النبي، صلى الله عليه وسلم، فاحشا ولا متفحشا»)
وقال لعائشة، رضي الله عنها، لما دار بينهما نقاش حول قول نفر من اليهود لما دخلوا عليه "السام عليكم" «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» كما جاء في حديث عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: (دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: "السَّامُ عَلَيْكُمْ" قَالَتْ عَائِشَةُ: "فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ" قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ» (صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله)
وفي حادثة أخرى علل موقفه من الانبشاش لأناس يذمهم، بقوله لعائشة، رضي الله عنها: (مَتَى عهدتني فحاشاً؟؟!! كما جاء في حديث عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: «بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ» فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا؟؟!! إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ) (صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب «لم يكن النبي، صلى الله عليه وسلم، فاحشا ولا متفحشا»)
وأخبر أن أكثر أهل النار من النساء بسببين، أحدهما أنهن يكثرن اللعن، كما جاء في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ؛ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ...) (صحيح البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم)
ونهى صلى الله عليه وسلم، عن لعن الدواب، فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: (بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا، فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ، قَالَ عِمْرَانُ: فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ، مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ) (صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها)
فهذه وقفة مختارة أخرى عند صور من حلمه، صلى الله عليه وسلم، ولطفه ورفقه، استوحيت من ردوده على استغضاب بعض الناس له، تم التركيز فيها على حكم لعن المشركين والظالمين، استناداً إلى الأدلة الصحيحة المتعلقة بهذه المسألة، آملين أن يوفق الله لختم هذه الحلقات بالوقوف عند إجمال الغاية السامية للدعوة الإسلامية المجملة بقول: «إِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» حسب ما صرح به نبينا محمد، صلى الله وسلم عليه، وعلى آل بيته الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
25 صفر 1446هـ

تاريخ النشر 2024-08-30
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس