.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

يبين فضل إتباع رمضان بصيام ست من شوال

==========================================================

عن رَسُول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قال: (من صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا من شَوَّالٍ، كان كَصِيَامِ الدَّهْرِ) (صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ستة أيام من شوال اتباعاً لرمضان) يواصل العابدون بعد الانتهاء من صيام شهر رمضان المبارك، طريقهم في التقرب إلى الله بعبادة الصيام وغيرها، حباً لجلاله، وطمعاً في نيل رضاه سبحانه، والفوز بجنة عرضها السماوات والأرض.

حكم صيام الست من شوال
في الحديث أعلاه، يفصح النبي، صلى الله عليه وسلم، عن جزاء المتقربين لله بصيام ست أيام من شهر شوال الذي يلي رمضان، فيبين أن من يصومها بعد صيام رمضان، فكأنما صام الدهر، يذكر النووي أن في هذا الحديث دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة، وقال مالك وأبو حنيفة يكره ذلك، ونقل عن مالك قوله في الموطأ: ما رأيت أحداً من أهل العلم يصومها، قالوا: فيكره لئلا يظن وجوبه، ودليل الشافعي وموافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح، وإذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها، وقولهم قد يظن وجوبها ينتقض بصوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب، قال العلماء: وإنما كان ذلك كصيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين. (صحيح مسلم بشرح النووي 8/56)

النوافل التي ينال المتقربون إلى الله بها محبته سبحانه
قربات العباد إلى الله مجالاتها كثيرة، تتصدرها الفرائض المحددة، كالصلوات الخمس، وصوم رمضان، وحج الفرض، ويلي ذلك التطوع، الذي كلما زاد العابد فيه زادت فرصه في نيل محبة الله، التي يحظى الفائز بها بالتوفيق والسداد في خطاه، فعن رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ قال: من عَادَى لي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلي عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلي مِمَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلي بِالنَّوَافِلِ حتى أُحِبَّهُ، فإذا أَحْبَبْتُهُ كنت سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ،
وَيَدَهُ التي يَبْطِشُ بها، وَرِجْلَهُ التي يَمْشِي بها، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شَيْءٍ أنا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وأنا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) (صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع(
يذكر العيني عن القشيري قوله: قرب العبد من ربه يقع أولاً بإيمانه ثم بإحسانه، وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه، وفي الآخرة من رضوانه، وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه، وقرب الرب بالعلم والقدرة عام للناس، وباللطف والنصرة خاص بالخواص، وبالتأنيس خاص بالأولياء، وقوله: (بالنوافل) المراد بها ما كانت حاوية للفرائض، مشتملة عليها، ومكملة لها. (عمدة القاري، 23/89)

متى تصام الست من شوال؟ وما حكم تأخير القضاء؟
الأفضل والأكمل البدء بقضاء الأيام التي تم فطرها لعذر في شهر رمضان، ولو قدم صيام الست من شوال على القضاء، جاز ذلك؛ لما جاء عن عائشة، رضي الله عنها، قولها: (كان يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ من رَمَضَانَ، فما أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إلا في شَعْبَانَ)(صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب متى يقضى قضاء رمضان(
ويجوز صيام الست من شوال مباشرة بعد يوم عيد الفطر، ويجوز تأخيرها عن ذلك، كما يجوز أن تؤدى متوالية، ويجوز تفريقها دون تقيد بالتتابع، حيث إن الحديث أعلاه ذكرها مطلقة (سِتًّا من شَوَّالٍ) دون إلزام بتقييد محدد، يذكر النووي عن الأصحاب –الشافعية- أن الأفضل أن تصام الستة متوالية عقب يوم الفطر، فإن فرقها أو أخرها عن أوائل شوال إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة؛ لأنه يصدق أنه أتبعه ستاً من شوال. (صحيح مسلم بشرح النووي 8/56)
فينبغي البدء بالقضاء أولاً، ثم يشرع في أداء أيام التطوع، وبخاصة أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، عند وعده من صام الست من شوال، عطف بـ (ثم) ويعني ذلك الترتيب والتعقيب، ويفهم من هذا أن ثواب صيام الست من شوال يتحقق بعد الانتهاء من صيام شهر رمضان كاملاً، ولا يتحقق ذلك لمن بقيت عليه أيام أفطرها ولم يقضها، ولو حصل أن صام المرء الست من شوال قبل أداء ما عليه من قضاء الأيام التي أفطرها، فصيامه صحيح مع مخالفة الأولى، وبعض الناس يحتاج لترك الترتيب المطلوب، حين يضيق الوقت به، بمعنى أنه إذا لم يبق من شهر شوال أيام تتسع لأداء القضاء وصيام الست من شوال، فيصبح هنا مضطراً لأداء التطوع قبل القضاء الذي يمكن أن يؤدى لاحقاً، بينما التطوع سيفوت إذا انتهى الشهر دون أدائه.
وتأخير القضاء لا يلزمه سوى القضاء، ونميل للأخذ بهذا الرأي لعموم قوله تعالى: {أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ...}(البقرة: 184)، ولحديث عائشة المذكور آنفاً.

حكم جمع أيام القضاء والست من شوال بنية واحدة
يتساءل بعض الناس ممن أفطروا في رمضان لعذر شرعي وبخاصة النساء، عن حكم قضائهم ما فاتهم، بنية مشتركة مع صيام الأيام الستة من شوال، ويتلخص الحكم بتعذر القيام بذلك شرعاً، كون القضاء فرضاً، وصيام الستة من شوال نافلة، ومساحة أداء الفرض مستحوذة له، بخلاف نافلة وأخرى، فيمكن الجمع بينهما، وأداء الفرض مقدم على أداء النافلة، فالفرض الفائت دين لله، يجب الوفاء به، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: (اقْضُوا اللَّهَ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ) (صحيح البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب الحج والنذور عن الميت، والرجل يحج عن المرأة(
تقبل الله صيامنا رمضان والست من شوال، وكل ما نتأسى به بنبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

تاريخ النشر 2021-05-21
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس