.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

يبين فضل القيام في ليالي رمضان

==========================================================

عن أبي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قال: (من قام رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ) (صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان)
يحرص المسلمون في شهر رمضان على صيامه، التزاماً بأمره سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة:183) ومعنى كتب في هذه الآية الكريمة فرض، ويؤدي المسلم في رمضان عبادات تطوعية إلى جانب أدائه فرض الصيام، فيزيد من الحرص على تلاوة القرآن وختم قراءته، ويبسط يده في أداء الصدقات الواجبة والتطوعية، وصلة الأرحام، وأداء العبادات التطوعية، لينال مضاعفة الثواب عليها، فالعمل الصالح في رمضان يجزي الله فاعله بحسنات مضاعفة، ومما يسند ذلك، ثواب العمرة فيه، فعن ابن عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، قال: (لَمَّا رَجَعَ النبي، صلى الله عليه وسلم، من حَجَّتِهِ، قال لِأُمِّ سِنَانٍ الْأَنْصَارِيَّةِ: ما مَنَعَكِ من الْحَجِّ؟ قالت: أبو فُلَانٍ تَعْنِي زَوْجَهَا كان له نَاضِحَانِ، حَجَّ على أَحَدِهِمَا، وَالْآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لنا، قال: فإن عُمْرَةً في رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً مَعِي)(صحيح البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب مع النساء)
فنهار رمضان يزدحم بالطاعات وعلى رأسها الصيام، وكذلك لياليه، التي شرع قيامها، ولذلك أحكام فقهية تتضمن تفاصيلها كتب الفقه، وفي هذا المقال نود التركيز على بعض متعلقات قيام ليالي رمضان، وذلك على النحو الآتي:
اشتراط إخلاص النية لله
يشترط في الصيام والقيام ليقبلا ويثاب من يقوم بهما شرط رئيس ومركزي، يتشاركان فيه مع القربات جميعها، وهو إخلاص النية، فالرسول، صلى الله عليه وسلم، قال: (الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فَمَنْ كانت هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كانت هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا، أو امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إليه)(صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرئ ما نوى)
وهذا يعني أن الباعث على العمل الصالح يحدد جزاءه، وفي حديث أبي هريرة أعلاه تنبيه لهذا الشرط، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (من قام رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا...) فاشترط عليه الصلاة والسلام أداء قيام رمضان انطلاقاً من إيمان واحتساب، فقوله: (إيماناً) أي تصديقاً بأنه حق وطاعة، وقوله: (واحتساباً) أي إرادة وجه الله تعالى، لا لرياء ونحوه، فقد يفعل الإنسان الشيء الذي يعتقد أنه صادق، لكن لا يفعله مخلصاً، بل لرياء، أو خوف أو نحو ذلك، يقال: (احتساباً) أي حسبه الله تعالى، يقال احتسبت بكذا أجراً عند الله تعالى، والاسم (الحسبة) وهي الأجر.(عمدة القاري:1/226)
ورد الإمام العيني على تساؤل حول أن كلاً من اللفظين وهما (إيماناً واحتساباً) يغني عن الآخر؛ إذ المؤمن لا يكون إلاَّ محتسباً، والمحتسب لا يكون إلاَّ مؤمناً، فهل لغير التأكيد فيه فائدة أم لا؟ فأجاب: المصدق لشيء ربما لا يفعله مخلصاً، بل للرياء ونحوه، والمخلص في الفعل ربما لا يكون مصدقاً بثوابه وبكونه طاعة مأموراً به، سبباً للمغفرة ونحوه، أو الفائدة هو التأكيد ونعمت الفائدة.(عمدة القاري:1/234)
المقصود بقيام ليالي رمضان
المقصود بقيام ليالي رمضان، أي قيامها بالطاعة، وهو التراويح، أو قام إلى صلاة رمضان، أو إلى إحياء لياليه بالعبادة غير ليلة القدر تقديراً، ويحصل بنحو تلاوة أو صلاة، أو ذكر أو علم شرعي، وكذا كل أخروي، ويكفي بمعظم الليل، وقيل بصلاة العشاء والصبح جماعة.(فيض القدير:6/191)
يبين صاحب عون المعبود أن صيغة (من قام رمضان) تقتضي الترغيب والندب دون الإيجاب، واجتمعت الأمة أن قيام رمضان ليس بواجب بل هو مندوب.(عون المعبود:4/171)
صلاة التراويح تؤدى بعد صلاة العشاء في ليالي رمضان، ويمكن أن يؤديها المرء فردياً، ويمكن أن تؤدى جماعة، في المسجد أو سواه، والذي شرع أصلها هو النبي، صلى الله عليه وسلم، ومن أدلة مشروعيتها حديث أبي هريرة أعلاه الذي يبين فضل قيام ليالي رمضان، وعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، جمع الناس على إمام يصلي بهم قيام رمضان، ولم يشرع أصلها هو، فعن عبد الرحمن بن عَبْدٍ القارىء أَنَّهُ قال: (خَرَجْتُ مع عُمَرَ بن الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، لَيْلَةً في رَمَضَانَ إلى الْمَسْجِدِ، فإذا الناس أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ؛ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فقال عُمَرُ: إني أَرَى لو جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ على قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ على أُبَيِّ بن كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ معه لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، قال عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هذه، وَالَّتِي يَنَامُونَ عنها أَفْضَلُ من التي يَقُومُونَ، يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وكان الناس يَقُومُونَ أَوَّلَهُ)(صحيح البخاري، كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان)
وبالنسبة إلى عدد ركعات صلاة قيام ليالي رمضان، فالأمر فيه سعة، وعائشة، رضي الله عنها، سئلت: (كَيْفَ كانت صَلَاةُ رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، في رَمَضَانَ؟ فقالت: ما كان رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولا في غَيْرِهِ على إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا، قالت عَائِشَةُ: فقلت: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنَامُ قبل أَنْ تُوتِرَ؟ فقال: يا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ، ولا يَنَامُ قَلْبِي)(صحيح البخاري، كتاب التهجد، باب قيام النبي، صلى الله عليه وسلم، في رمضان وغيره)
غفران ما سلف من ذنوب الذي يقوم ليالي رمضان
الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعد الذي يقوم ليالي رمضان إيماناً واحتساباً، بأن يغفر الله له ما تقدم من ذنبه، وحيث إن ابن آدم خطاء، فهو بحاجة ماسة لتحين الفرص لمحو ذنوبه ومغفرتها، وهاهي الفرصة سانحة في رمضان الخير والبركات، فصيامه وقيام لياليه وقيام ليلة القدر فيه مشاريع للخير متاحة يتفضل الله فيها بالمثوبة السخية الكريمة على عباده، فبالإضافة إلى الحديث الصحيح أعلاه المبين أجر الذي يقوم رمضان، فإن الرسول، صلى الله عليه وسلم، يبين في أحاديث أخرى مثوبة مماثلة للذي يصوم رمضان ويقوم ليلة القدر، ومن تلك الأحاديث، قوله صلى الله عليه وسلم: (من قام لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ)(صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب من صام رمضان إيماناً واحتساباً ونية)
فحري بالمسلمين أن يستثمروا رمضان نهاره وليله ليظفروا بغفران ذنوبهم، التي سبق لهم أن ارتكبوها، فرحمة الله واسعة، وهو أكرم الأكرمين.
سائلين الله العلي العظيم أن يوفقنا لصيام رمضان وقيامه على الوجه الذي يرضيه سبحانه، ويتحقق به حسن التأسي بنبيه محمد، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
9 رمضان 1444هـ

تاريخ النشر 2023-03-31
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس