.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

يربط أجر الصائم ببواعثه

==========================================================

عن أبي سَعِيدٍ الخدري، رضي الله عنه، قال: سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: (من صَامَ يَوْمًا في سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ الله وَجْهَهُ عن النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) (صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الصوم في سبيل الله)
بضعة أيام، ويحل على المسلمين الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، وفرض صيامه على من شهده، مصداقاً لقوله عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى للنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة: 185)

معنى الصوم
الصوم في اللغة: الإمساك عما تنزع إليه النفس، وقيل: هو الإمساك عن الشيء مطلقاً، ومنه صامت الريح، إذا أمسكت عن الهبوب، والفرس إذا أمسكت عن العدو. (تفسير أبي السعود 1/198)
وكل ممسك عن حركة، أو عمل، أو طعام أو شراب، فهو صائم في أصل اللسان. (التمهيد لابن عبد البر، 19/53)
فالصوم أصله في اللغة الإمساك مطلقاً، ثم استعمل شرعاً في الإمساك عن الطعام والشراب. (التسهيل لعلوم التنزيل، 1/22)
فالصيام في الشرع إمساك عن الطعام والشراب، مقترنة به قرائن، من مراعاة أوقات وغير ذلك. (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، 1/ 250)
وقيل: هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، مع النية في وقت مخصوص. (تفسير البغوي، 1/ 148)

المطلوب لمباعدة وجه الصائم عن النار
حسب حديث أبي سعيد المثبت نصه أعلاه، فإن الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعد من صام يوماً في سبيل الله أن يُبَعِّد وجهه عن النار، فهذا المخرج يرتكز إلى مدخلين، أحدهما فعل الصيام، وثانيهما، أن يقع الصيام في منظومة سبيل الله، أي يقصد منه العمل بأمر الله، ونيل رضاه سبحانه.
وهذه المعادلة العامة غير محصورة بالصيام، فيشترط للجزاء الحسن على الأعمال المشروعة أو المطلوبة، أن تؤدى على الوجه المشروع، وأن ينطلق أداؤها من بواعث صادقة ومخلصة لرب العالمين، الذي يعلم النوايا، ولا تخفى عليه خافية.
وحسب وعد الرسول، صلى الله عليه وسلم، فإن جزاء صوم يوم تطوعاً انطلاقاً من نية مخلصة لله، يفضي إلى أن يبعد الله وجه صائمه عن النار سبعين خريفاً.
جاء في فيض القدير، أن من صام يوماً لله ولوجهه، أو في الغزو أو الحج، (بَعّد الله وجهه) أي ذاته، والعرب تقول وجه الطريق، تريد به عينه، (عن النار)؛ أي نجاه منها، أو عجل إخراجه منها قبل أوان الاستحقاق، عبر عنه بطريق التمثيل ليكون أبلغ؛ لأن من كان مبعداً عن عدوه بهذا القدر لا يصل إليه ألبتة، (سبعين خريفاً) أي سنة؛ أي نجاه وباعده عنها مسافة تقطع في سبعين سنة، إذ كل ما مر خريف انقضت سنة، قيل: لأنه آخر فصولها الأربع، فهو من إطلاق اسم البعض على الكل، وذكر الخريف من ذكر الجزء وإرادة الكل، وخصه دون غيره من الفصول؛ لأنه وقت بلوغ الثمار، وحصول سعة العيش، وذلك لأنه جمع بين تحمل مشقة الصوم، ومشقة الغزو، فاستحق هذا التشريف، وذكر السبعين على عادة العرب في التكثير، لكن هذا مقيد في الغزو بما إذا لم يضعفه الصوم عن القتال، وإلا ففطره أفضل من صومه. (فيض القدير، 6/161- 162)

إخلاص النية أساس القبول
عن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قال: (الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فَمَنْ كانت هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كانت هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا، أو امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إليه) (صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب ما جاء إن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرئ ما نوى نوى)
إخلاص النية لله مطلب لقبول العبادات، والمثوبة عليها، فهي مرهونة به، والرسول، صلى الله عليه وسلم، ضرب في حديثه الشريف هذا مثالاً تطبيقياً للعمل الذي يكون باعثه الإخلاص لله من خلافه، بالمهاجر الذي إن هاجر لله قبلت هجرته، وإن كان له هدف آخر منها، فهجرته تكون لذاك الهدف، وليس لله، ومثل الهجرة الأعمال كلها، كالصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وما إلى ذلك من الأعمال التي يشترط لقبولها انطلاقها من بواعث إيمانية، وصفاء سريرة، تتحدد في إخلاص النية بها لله دون سواه.

الصيام والقيام إيماناً واحتساباً
بناء على ما تقدم؛ يسهل فهم اشتراط الإيمان والاحتساب لقبول الصيام والقيام، كما في قوله صلى الله عليه وسلم، قال: (من صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ، وَمَنْ قام لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ) (صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان)، وقوله الآخر بشأن قيام رمضان(من قام رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ)(صحيح البخاري، كتاب فضل ليلة القدر، باب فضل ليلة القدر)
هدانا الله لحسن التقرب إليه، وإخلاص النوايا لجلاله العظيم، والعمل بكتابه الكريم، والاقتداء بسنة خاتم النبيين محمد، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
26 شعبان 1442هـ

تاريخ النشر 2021-04-09
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس