.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

يشجع على صيام الست من شوال

==========================================================

عن أبي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قال: (من صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا من شَوَّالٍ، كان كَصِيَامِ الدَّهْرِ)(صحيح مسلم)
يواصل المسلم العبادة لله حتى يلقى ربه راضياً مرضياً، والله تعالى يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات:56) يقول الإمام السعدي في تفسيره: هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث الرسل يدعون إليها، وهي عبادته المتضمنة لمعرفته ومحبته والإنابة إليه، والإقبال عليه، والإعراض عما سواه.(تفسير السعدي:1/813)
فالمقصود بالعبادة العامة التي خلق الإنس والجن لتأديتها لله، هي الطاعة المطلقة لله في الشأن كله، فهي أعم من العبادة المحددة بصفات وهيئات معينة، أي أنها أعم من الصلاة والصيام والزكاة والحج، لأنها تشمل هذه الأركان وما يتفرع عنها من نوافل، وغير ذلك من سبل طاعة الله والانقياد إليه سبحانه، ومعلوم أن أفضل ما يتقرب به إلى الله هي الفرائض، ثم كلما زاد العبد من التقرب إليه سبحانه بالنوافل، فإنه ينال درجات رفيعة عند الله، تتوج بنيل محبته سبحانه وتوفيقه وعونه، وهو القائل سبحانه في الحديث القدسي الذي يرويه عنه النبي محمد، صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)(صحيح البخاري)
صيام الفرض والتطوع
فرض الله على المسلمين صيام شهر رمضان، والرسول، صلى الله عليه وسلم، رغبهم في صيام التطوع على الوجه المشروع، وقال لمن أراد الوصال في الصوم، بأن هذا ليس من السنة، فعن أَنَس بن مَالِكٍ، رضي الله عنه، يقول: (جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)(صحيح البخاري)
وفي مناسبة أخرى بين فضل الاعتدال في أداء النوافل، وخير وجوه التنفل بالصلاة والصيام، فقال: (أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ، عليه السَّلَام، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وكان يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا)(صحيح البخاري)
فضل صيام الست من شوال
في حديث أبي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ المثبت نصه أعلاه ترغيب للذي صام فرض رمضان بصيام ستة أيام تطوعاً من شهر شوال الذي يليه، فمن يفعل ذلك يكون كمن صام الدهر، أي العام كاملاً، ولا يشترط لصيام الست سوى أن تقع في شهر شوال عقب رمضان، فيمكن أن تؤدى أوله، أو وسطه أو آخره، ويمكن أن تؤدى متتابعة ومتفرقة، فالأمر فيه سعة، لأن قول النبي، صلى الله عليه وسلم: (ستاً من شوال) مطلق غير مقيد، وبعض العلماء يفضل متابعتها لرمضان بعد يوم عيد الفطر، فالإمام النووي يقول: قال أصحابنا: والأفضل أن تصام الستة متوالية عقب يوم الفطر، فإن فرقها أو أخرها عن أوائل شوال إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة، لأنه يصدق أنه أتبعه ستاً من شوال.
قال العلماء: وإنما كان ذلك كصيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشرة أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين.(صحيح مسلم بشرح النووي:8/56)
والذي يصوم الست من شوال في عام لا يلزمه صيامها كل عام، فصيامها مندوب، وليس فرضاً، فمن وجد لديه عزم لصيامها ومجال لذلك، فليصمها متطوعاً لنيل أجرها وثوابها، لكنه إن ترك صيامها لا يلحقه إثم، إن شاء الله، فالمندوب يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه، مع التنبيه إلى فضل المداومة على عمل الصالحات، فهذه المداومة يحبها الله، لحديث عَائِشَة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قال: (سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ) وفي رواية عنها قال: (اكْلَفُوا من الْأَعْمَالِ ما تُطِيقُونَ)(صحيح البخاري)
صيام الأيام الست من شوال وغيرها بنية واحدة
يسأل بعض الناس عن حكم جمع قضاء ما فات من رمضان وصيام الأيام الست من شوال بنية واحدة، وبخاصة النساء اللواتي يفطرن في رمضان بسبب منعهن من الصيام أيام الحيض والنفاس، أو صيام الست من شوال مع غيرها من صيام التطوع والسنن، كصيام الأيام البيض من كل شهر، أو الاثنين والخميس، والجواب يتلخص في جواز صيامها بالتشارك مع صيام أيام التطوع والسنن الأخرى؛ لأنها جميعاً تطوع، وحالها واحد، كجمع سنة تحية المسجد وسنة الظهر القبلية مثلاً، لكنها لا تجمع مع صيام قضاء الفرض في آن واحد، لاختلاف حالهما، فهي سنة، والقضاء فرض، وكل منهما عبادة مقصودة لذاتها، فلا يشرك بينهما.
والواجب يقتضي الحرص على المبادرة لقضاء ما فات من الفرض أولاً، قبل الشروع بصيام النافلة والتطوع، وبخاصة أن الذي فاته صيام أيام من رمضان تكون ذمته مشغولة بها، وصيام الست من شوال مندوب لمن أدى صيام رمضان، والذي بقيت عليه أيام لم يصمها لا يكون مؤدياً لصيام رمضان كاملاً، وفي هذه المسألة خلاف بين العلماء، والأحوط أن تؤدى بعد قضاء ما يمكن مما فات، ويستثنى من ذلك عندما يضيق الوقت في شوال، ويصبح غير متسع للقضاء وصيام الست من شوال، فلو استغل الوقت لأداء القضاء لانتهى شوال دون صيامها، فهنا يمكن تأخير ما بقي من القضاء ليؤدى لاحقاً، في أقرب فرصة تتاح لذلك، ويقدم صيام الست من شوال في هذه الحالة على القضاء لئلا يفوت فضلها، والله أعلم. ويؤيد هذا الاستثناء حديث عَائِشَة، رضي الله عنها: أنها قالت: (إن كانت إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ في زَمَانِ رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فما تَقْدِرُ على أَنْ تَقْضِيَهُ مع رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، حتى يَأْتِيَ شَعْبَانُ)(صحيح مسلم)
سائلين الله العلي القدير أن يعيننا على طاعته على الوجه الذي يرضيه سبحانه، وعلى صيام الست من شوال، كما أعاننا على صيام رمضان، لنكون كالذي صام الدهر، حسب ما وعدنا رسولنا الصادق الأمين محمد، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
8 شوال 1444هـ

تاريخ النشر 2023-04-28
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس