.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

يشرع التعبد لله بالصيام والفطر - الحلقة الثالثة والأخيرة

==========================================================

عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ- وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: (كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا تَقُولُ؟! قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ).(صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة)
تعرضت الحلقة السابقة للنهي عن سرد الصوم ومواصلته، كما دل على ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، حيث لم يقره صلى الله عليه سلم، على سرد الصوم، ليتمكن من أداء الحقوق المطلوبة منه لعينه ونفسه وأهله، ما يعني الاستراحة من التزام العبادة، حتى يتمكن من الوفاء بالتزاماته الأخرى، ومعنى (سرد الصوم)، أي تتابعه دون فطر، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا صام من صام الأبد مرتين) واستدلّ به من قال بكراهة صوم الدهر؛ لأن قوله: لا صام يحتمل الدعاء، ويحتمل الخبر. وهذا عند بعضهم محمول على حقيقته، بأن يصوم معه العيد والتشريق. ورأى آخرون بأنه محمول على من تضرر به، أو فوت به حقًا، وعقب النووي على الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ، وبين اخْتَلَافَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، فَذَهَبَ أَهْل الظَّاهِرِ إِلَى مَنْعِ صِيَامِ الدَّهْرِ نَظَرًا لِظَوَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى جَوَازِهِ إِذَا لَمْ يَصُمِ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا، وَهِيَ الْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيقُ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ سَرْدَ الصِّيَامِ إِذَا أَفْطَرَ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقَ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَلْحَقَهُ بِهِ ضَرَرٌ، وَلَا يُفَوِّتَ حَقًّا، فَإِنْ تَضَرَّرَ أَوْ فَوَّتَ حَقًّا فَمَكْرُوهٌ. (صحيح مسلم بشرح النووي:8/40)
فالنهي عن صيام الدهر أو سرد الصيام يعني أن القيام بمتطلبات المعيشة مطلب شرعي، ينبغي ألا يؤثر التطوع بالعبادات في التقصير فيه، فالذي يهتدي للموازنة السليمة بين تنفله بالعبادة وأداء واجباته الأخرى تجاه نفسه وأهله ومجتمعه هو النموذج السوي للعابد العامل، والله تعالى أعلى وأعلم.
ساعة وساعة
جاء في مرقاة المفاتيح أن قول الرسول، صلى الله عليه وسلم، في الحديث المثبت نصه أعلاه: "وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً" يَعْنِي لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُنَافِقًا بِأَنْ يَكُونَ فِي وَقْتٍ عَلَى الْحُضُورِ، وَفِي وَقْتٍ عَلَى الْفُتُورِ، فَمِنْ سَاعَةِ الْحُضُورِ تُؤَدُّونَ حُقُوقَ رَبِّكُمْ، وَفِي سَاعَةِ الْفُتُورِ تَقْضُونَ حُظُوظَ أَنْفُسِكُمْ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: "سَاعَةٌ وَسَاعَةٌ" لِلتَّرْخِيصِ، أَوْ لِلتَّحَفُّظِ لِئَلَّا تَسْأَمَ النَّفْسُ عَنِ الْعِبَادَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنْ يَا حَنْظَلَةُ هَذِهِ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ مَشَقَّةٌ لَا يُطِيقُهَا كُلُّ أَحَدٍ، فَلَمْ يُكَلَّفْ بِهَا، وَإِنَّمَا الذِّكْرُ يُطِيقُهُ الْأَكْثَرُونَ، أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ سَاعَةً، وَلَا عَلَيْهِ بِأَنْ يَصْرِفَ نَفْسَهُ لِلْمُعَافَسَةِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا سَاعَةً أُخْرَى، وَأَنْتَ كَذَلِكَ؛ فَأَنْتَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْكَ نِفَاقٌ قَطُّ كَمَا تَوَهَّمْتَهُ، فَانْتَهِ عَنِ اعْتِقَادِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِمَّا يُدْخِلُهُ الشَّيْطَانُ عَلَى السَّالِكِينَ، حَتَّى يُغَيِّرَهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ، ثُمَّ لَا يَزَالُ يُغَيِّرُهُمْ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ يَتْرُكُوا الْعَمَلَ رَأْسًا. (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ): أَيْ: قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.(مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: 4/1550)
وفي رواية توضيحية أخرى عند مسلم عَنْ حَنْظَلَةَ، قَالَ: (كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَعَظَنَا، فَذَكَّرَ النَّارَ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَضَاحَكْتُ الصِّبْيَانَ وَلَاعَبْتُ الْمَرْأَةَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا تَذْكُرُ، فَلَقِينَا رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَافَقَ حَنْظَلَةُ، فَقَالَ: «مَهْ» فَحَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا فَعَلَ، فَقَالَ: «يَا حَنْظَلَةُ؛ سَاعَةً وَسَاعَةً، وَلَوْ كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كَمَا تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ، حَتَّى تُسَلِّمَ عَلَيْكُمْ فِي الطُّرُقِ)(صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة)
أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ
التوازن إحدى خصائص الإسلام وشريعته الغراء، فالإسلام يوازن في أحكامه بين حاجات البدن والروح، وحاجات الفرد والمجتمع، وبين العبادة والترويح عن النفس، وبهذا يجمع المرء بين فضل التنفل بالعبادة، وبين حفظ المتطلبات الواجبة الأخرى، وهذا ينسجم تماماً مع مبادئ الإسلام، التي منها: لا إفراط ولا تفريط، والتسديد والمقاربة، وعبادة الله بروية؛ فإن المنبت لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى. ومن أوضح الأدلة الشاهدة لهذا التوازن تلك الخلاصة التي أفاد بها سلمان الفارسي أخاه أبا الدرداء وأقره النبي، صلى الله عليه وسلم، عليها، حسب ما جاء في حديث عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: (آخَى النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ: سَلْمَانُ قُمِ الآنَ، فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ سَلْمَانُ»)(صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب صنع الطعام والتكلف للضيف)
لا إفراط ولا تفريط
دين الإسلام الحنيف يجد المسلم فيه إلزاماً تعبدياً بالاستراحة من عبادة الصيام التي يمسك فيها عن مفطرات مباحة شرعاً، وذلك بالتزامه بالفطر يوم عيد الفطر، ولا يُقْبل من مبالغ في التعبد أن يصوم يوم عيد الفطر، لنهيه صلى الله عليه وسلم، عن ذلك، فالإفراط لا يقبل مثله مثل التفريط، ومن شواهد ذلك، حديث النفر الذين سألوا عن عبادة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولما أعلموا بها، أرادوا الزيادة عليها كل بطريقته، ولما أُخبر عليه الصلاة والسلام، بما صنعوا، لقنهم درساً واضحاً والمسلمين من بعدهم في تصحيح المفهوم التعبدي، فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: (جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» (صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح)
فالمسلم مأمور بالاعتدال في العبادة، وأن يسدد ويقارب ولا يغالي، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ، قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا)(صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل)
عبادة الله ينبغي أن تكون كما أمر سبحانه
حدد الله الغاية من خلق الإنس والجن وحصرها سبحانه بعبادته، فقال عز وجل: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات:56)
والمقصود بالعبادة هنا معناها الشامل، الذي يعم طاعة الله في الأقوال والأفعال، فما من قول أو فعل يقصد به وجه الله إلا شملته العبادة بمعناها الشامل، فالصدقة بشق تمرة عبادة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وهذان الفعلان البسيطان يمثلان سلوكيْن تعبديْن، كما تمثل الصلاة والصيام والزكاة والحج، وهي أركان تعبدية يقوم عليها الإسلام، ومن روائع الإسلام الحنيف أنه يجعل المتعة التي يتلذذ بها العبد أحياناً عبادة، فأكله وشربه أيام العيدين عبادة، يأثم إن كف عنها بحجة انشغاله بالصوم التعبدي، ووضح الرسول، صلى الله عليه وسلم، هذا المعنى بجلاء لما حدث الصحابة، رضي الله عنهم، عن جزاء المعاشرة الزوجية، كما جاء في الحديث الذي أشار فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، لأنواع من العبادة التي تستجلب الأجور، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ، (أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ)(صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب بيان اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف)
وبهذه الوقفة نختم الحديث عن جوانب تتعلق بالتعبد لله بالصيام والفطر، سائلين الله العلي القدير أن يهدينا صراطه المستقيم، لنعبده سبحانه كما أمر، وحسب ما يحب، على نهج نبينا وخاتم النبيين والمرسلين، محمد، صلى الله وسلم عليه، وعلى آل بيته الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
24 شوال 1445هـ

تاريخ النشر 2024-05-03
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس