.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

يوصي بالنساء في خطبة الوداع - الحلقة الأولى

==========================================================

أخرج مسلم في صحيحه تحت بَاب حِجَّةِ النبي، صلى الله عليه وسلم، نص خطبته، صلى الله عليه وسلم، يوم عرفة، التي تضمنت في ثناياها قوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وقد تَرَكْتُ فِيكُمْ ما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ)(صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي، صلى الله عليه وسلم)
حجة الوداع
حجة الوداع، ويطلق عليها أيضاً حجة الإسلام وحجة البلاغ، هي الحجة الوحيدة التي أداها صلى الله عليه وسلم، في السنة العاشرة للهجرة، وكانت نبراساً للمسلمين على مر العصور، وستبقى كذلك حتى يرث الله الأرض وما عليها، فعن جَابِر قال: (رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، يرمي على رَاحِلَتِهِ يوم النَّحْرِ، وَيَقُولُ: لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هذه)(صحيح مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا، وبيان قوله صلى الله عليه وسلم «لتأخذوا مناسككم»)، وفعلاً لم يحج النبي، صلى الله عليه وسلم، غير هذه الحجة، وودع المسلمين فيها بخطبة ركزت محاورها على قضايا دينية بارزة، كانت منها قضية التوصية بالنساء، وبيان أن لهن حقوقاً على أزواجهن، وعليهن واجبات لهم.
مناهضة العنف ضد المرأة
حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 54/134 يوم 25 نوفمبر/ تشرين ثاني "اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة".
ويوم 10 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام هو يوم حقوق الإنسان، تسبقه فعاليات حملة الـ 16 يوم للقضاء على العنف ضد المرأة، والتي تبدأ من 25 تشرين الثاني/نوفمبر وتستمر إلى 10 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام.
وقد أشارت الهيئة العامة للأمم المتحدة للعنف ضد المرأة بأنه جائحة عالمية بأشكال عدة، سواء كان جسدياً، أم جنسياً، أم نفسياً، ويحدث في الأماكن العامة والخاصة، وعرّفته عام 1993م في إعلان القضاء على العنف ضد المرأة: بأنه أي فعل عنيف قائم على النوع الاجتماعي يؤدي أو يُحتمل أن يؤدي إلى: أذى جسدي، أو جنسي، أو ذهني، أو معاناة للنساء، بما يتضمن التهديد بأفعال كهذه، والإكراه أو حرمان المرأة اعتباطياً من حريتها، سواء على صعيد شخصي أم عام.
وفي ضوء المشاهد والملموس من واقع العنف ضد المرأة حسب ما يرشح عنه من أخبار ومعطيات، فإن عنفاً منوعاً يقع ضد المرأة العربية والمسلمة يتوزع بين الجسدي والنفسي والجنسي والاقتصادي، ويشمل كل نوع من هذه الأنواع صوراً تتكرر وأخرى مختلفة، وللوقوف على مسببات هذا العنف والموقف منه، ينبغي التقيد بالموضوعية والإنصاف ودقة التشخيص، إذ إن هناك من يهول هذه القضية مقابل من يهون ويبسط، وهناك من يستغل قضايا ذات صلة لحملات تحريض ظالمة ضد الرجال أو الأديان والشرائع والقيم.
الإسلام ومحاربة العنف ضد المرأة
من الأسئلة التي ينبغي طرحها حيال قضية مناهضة العنف ضد النساء: هل يمكن التغاضي عن العنف الممارس ضد المرأة في المجتمعات العربية والمسلمة؟ ومن يتحمل المسؤولية عن هذا العنف؟ وما العلاج القويم لهذا السلوك المنحرف؟
وتتلخص الإجابة عن هذه الأسئلة بأن العنف موجود، ومن العبث إنكاره أو التغاضي عنه، أو التهوين من ويلاته، لكن المسؤولية عن وجوده تحتاج إلى نظر ثاقب وعادل، إذ إن الإسلام بعقيدته وقيمه وشريعته ينبذه ويرفضه ويقاومه، وليس من الحق بحال أن يتم تحميله المسؤولية عن واقع يرفضه وينكره، وتمسك بعض الناس بظاهر بعض الأحداث أو النصوص في هذا المجال للانقضاض على الإسلام، والتأليب عليه، والسعي لتشويهه، أمر مغرض ومشبوه ومرفوض جملة وتفصيلاً، فأسباب ممارسة العنف ضد النساء ترجع إلى تربية خاطئة، وعادات بالية، وقيم منحرفة، وليس إلى دين أنزله رب العالمين بلسان عربي مبين، مبشراً ونذيراً، وداعياً إلى خير الدارين، وشتان بين سلوك الناس المنتمين إلى الإسلام بالأسماء، والمخالفين لتعاليمه باطناً وظاهراً، فإلى الإسلام يرجع في الحكم على مدى التقيد والالتزام وليس العكس، فلا يحكم على الإسلام من سلوك المسلمين إلا من متسرعين في الأحكام، أو متصيدين للعثرات والشبهات، والعلاج الفاعل لمشكلة العنف الظالم ضد النساء يتمثل في الاحتكام لشرع الله القويم، المتسم بالعدل والحق والوضوح، الذي ينظر فيه إلى الناس على أنهم سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى، مصداقاً لقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(الحجرات:13)
فالأكرم عند الله والأفضل ليس ابن جنس من الناس، أو صاحب لون معين، أو الذكر، أو الأنثى، إنما هو الأتقى، فلو كانت المرأة هي الأتقى لغلبت الرجال في الأفضلية والمقام، والله لما ضرب مثلاً في قرآنه الكريم للذين آمنوا ضربه بنساء، فقال عز وجل: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}(التحريم: 11-12)
سائلين الله العلي القدير العون على متابعة الحديث عن الحث على تقوى الله في النساء، وإكرامهن ونبذ العنف ضدهن، في ضوء الهدي القرآني، وسنة النبي الهادي، محمد، عليه الصلاة والسلام، وعلى آله الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
8 جمادى الأولى 1444هـ

تاريخ النشر 2022-12-02
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس