.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

أعلم قريش والأقربين منه بأنه لا يغني عنهم من الله شيئاً

==========================================================

عن أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (الشعراء: 214) (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، سَلِينِي بِمَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا) (صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين}(الشعراء: 214))
يشير هذا الحديث الشريف إلى مبادرة النبي، صلى الله عليه وسلم، لتنفيذ أمر دعوي تلقاه من الله جل في علاه، بأن ينذر عشيرته الأقربين، بعد أن تم تكليفه بتبليغ رسالة الإسلام، والدعوة إليها، بالتبشير والإنذار، بهدف إنقاذ الناس من الضلال إلى الهدى، وبالتالي من أجل أن يفوزوا بالجنة ونعيمها، والنجاة من النار وعذابها.
إنذار العشيرة الأقربين
عملاً بفحوى أمر الله الذي تلقاه، صلى الله عليه وسلم، بقوله عز وجل: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (الشعراء:214)، توجه بالإنذار والدعوة لقبيلته قريش، ثم تدرج بهما، ثم لرموز من أقاربه وخواصه رجالاً ونساء، بالتدرج أيضاً، فتوجه بهما لعموم بني عبد المطلب، ثم خص بهما منهم: عمه العباس، ثم عمته صفية، ثم ابنته فاطمة.
وفي رواية نَادى: (يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ(...وجَعَلَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدْعُوهُمْ قَبَائِلَ قَبَائِلَ) (صحيح البخاري، كتاب الوصايا، باب إذا وقف أو أوصى لأقاربه ومن الأقارب)، وفي رواية قال: (... يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا...) (صحيح البخاري، كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب)
يذكر ابن بطال أن العلماء أجمعوا على أن اسم الولد يقع على البنين والبنات، وأن النساء التي من صلبه وعصبته كالعمة والابنة والأخت، يدخلون في الأقارب إذا أوقف على أقاربه، ألا ترى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، خص عمته بالنذارة كما خص ابنته، وكذلك من كان في معناهما ممن يجمعه معه أب واحد. (شرح صحيح البخاري لابن بطال، 8 /166)
ويبين العيني أنه سوى فِي ذَلِك بَين عشيرته، فعمهم أَولاً، ثمَّ خص بعض الْبُطُون، ثمَّ ذكر عَمه العَبَّاس، وَعَمَّته صَفِيَّة، وبنته فَاطِمَة، فَدلَّ على دُخُول النِّسَاء فِي الْأَقَارِب، وعَلى دُخُول الْفُرُوع أَيْضاً، وعَلى عدم التَّخْصِيص بِمن يَرث، وَلَا بِمن كَانَ مُسلماً. (عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 14 /47)
ومن اهتمام الإسلام البالغ بالأقربين، الحث على تفضيلهم بالصدقة، فعن أَنَس بْنَ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: (كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران: 92)، قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران: 92) وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ» فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ» (صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب)
وعن مَيْمُونَة بِنْتَ الحَارِثِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَخْبَرَتْ، أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً، وَلَمْ تَسْتَأْذِنِ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ، قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي؟ قَالَ: «أَوَ فَعَلْتِ؟»، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: (أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ). (صحيح البخاري، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها)
"اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ"
الرسول، صلى الله عليه وسلم، دعا الذين خاطبهم بدعوته من عشيرته والأقربين منه إلى أن يشتروا أنفسهم من الله، ومعنى (اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ)؛ أَيِ اعْتِقُوهَا، وَخَلِّصُوهَا مِنَ النَّارِ، بِالْإِيمَانِ وَتَرْكِ الْكُفْرَانِ، وَبِالطَّاعَةِ لِمَا جِئْتُ بِهِ، وَالِانْقِيَادِ لِمَا مَنَعْتُ مِنْهُ. (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، 8 /3372)
وقَالَ: «اشْتَروا أَنفسكُم» مَعَ أَنهم البائعون، وقَالَ الله تَعَالَى: {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم} (التَّوْبَة: 111) لأَنهم مشترون أنفسهم بِاعْتِبَار التخليص من الْعَذَاب، بائعون بِاعْتِبَار تَحْصِيل الثَّوَاب. (عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 16 /93)
ففي القرآن الكريم إخبار بأن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم، حسب ما نزل في قوله عز وجل: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:111)
يقول ابن حجر العسقلاني في شرح قوله، صلى الله عليه وسلم: «اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ» أَيْ بِاعْتِبَارِ تَخْلِيصِهَا مِنَ النَّارِ، كَأَنَّهُ قَالَ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا مِنَ الْعَذَابِ، فَكَانَ ذَلِكَ كَالشِّرَاءِ، كَأَنَّهُمْ جَعَلُوا الطَّاعَةَ ثَمَنَ النَّجَاةِ، وَأَمَّا قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أنفسهم} فَهُنَاكَ الْمُؤْمِنُ بَائِعٌ بِاعْتِبَارِ تَحْصِيلِ الثَّوَابِ، وَالثَّمَنُ الْجَنَّةُ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ النُّفُوسَ كُلَّهَا مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ مَنْ أَطَاعَهُ حَقَّ طَاعَته فِي امْتِثَال أوامره، وَاجْتنَاب نواهيه، وَفِي مَا عَلَيْهِ مِنَ الثَّمَنِ. (فتح الباري، 8 /503)
"لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا"
هذه العبارة خاطب بها النبي، صلى الله عليه وسلم، عشيرته والأقربين منه، في سياق وعظهم ودعوتهم للخير الذي جاءهم به من ربه، جاء في مرقاة المفاتيح أن ِقَوْله: «فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ» أَيْ: لِجَمِيعِكُمْ عَامِّكُمْ وَخَاصِّكُمْ «مِنَ اللَّهِ» أَيْ: مِنْ عَذَابِهِ «شَيْئًا» أَيْ: مِنَ الْمُلْكِ وَالْقُدْرَةِ وَالدَّفْعِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَالْمَعْنَى أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أَدْفَعَ عَنْكُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَكُمْ، وَهُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} (الفتح: 11)، بَلْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} (الأعراف: 188). (مرقاة المفاتيح، 8 /3371)
وبين سبحانه أن يوم القيامة لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً، فقال عز وجل: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (البقرة:48)، وتكرر مثل هذا البيان في الآية 123 من سورة البقرة نفسها.
ويعقوب والد يوسف، عليهما السلام، ضمن نصحه أبناءه خاطبهم بعبارة مشابهة، جاء ذكرها في قوله جل شأنه:{وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (يوسف:67)
ويخبر القرآن الكريم عن نوح، عليه السلام، قوله لقومه: {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (هود:34)
وعلى لسان إبراهيم، عليه السلام، يقول عز وجل: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ* يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (الشعراء:87-89)
فمقدمات العمل للنجاة تكون بالسعي الذاتي لها، ومن مؤكدات انقطاع القادم للآخرة عن متعلقاته الدنيوي، قوله، صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (صحيح مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته)
وأشار سبحانه لهذه الحقيقة في سياق الإخبار عن انشغال المرء بنفسه وهو يواجه أهوال يوم القيامة، فقال تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (الحج:2)
من فقه هذا الحديث الشريف
حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، المثبت نصه في الصدارة أعلاه يستنبط منه أن قرابة النسب من الأنبياء والصالحين لا تنفع الكافر في النجاة من دخول النار. (منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري، 4 /75)
ويؤيد هذا ما تضمنته سورة المسد من ذم لعم الرسول، صلى الله عليه وسلم أبي لهب. والمثل الذي ضربه الله في القرآن الكريم للذين كفروا، كان لزوجين من أزواج نبيين من أنبياء الله، عليهم السلام، فقال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً للذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَت نُوحٍ وَاِمْرَأَت لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} (التحريم:10)
ولما ناكف ابن نوح، دعوة أبيه، عليه السلام، استبعد الله اعتباره من أهله، فقال عز وجل: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (هود:46)
ويستنبط من هذا الحديث كذلك ضرورة العناية بصلاح الأقربين ليكونوا أسوة لغيرهم في الصلاح والاستقامة، ولينجوا بذلك من شر الضلال، وقد أشار سبحانه لهذه الغاية بقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6)؛ أَيْ: خذوا أنفسكم وأهليكم بما يُقرِّب من الله تعالى، وجَنِّبوا أنفسكم وأهليكم المعاصي. (الوجيز للواحدي، 1 /1113)
ومن نتائج العمل لهذه الوقاية، النجاة من خسارة الأنفس والأهل يوم القيامة، والتي تكون لمن أخفقوا في العمل لهذه النجاة، والله تعالى يقول: {...قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (الزمر:15) وقال جل شأنه: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} (الشورى:45)
فصلاح الأقربين نهج أمر به الله سبحانه، وحث عليه، والتزم بفحواه خاتم النبيين محمد، صلى الله عليه وسلم، وعلى آل بيته الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
5 جمادى الآخرة 1446هـ

تاريخ النشر 2024-12-06
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس