مواقف أهل الباطل الكاذبة ضد الإسلام ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وجدت منذ بدء المعركة بينهم وبين الحق المبين، والصراط المستقيم، وما زالت مستمرة هنا وهناك، وبهذا الشكل وذاك، وبهذه الوتيرة وتلك، ويبقى نور الحق ساطعاً، لن يبهت بفرية ولا بكيد، وصدق رب العزة، حيث قررها قاعدة أبدية بقوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}(الأنفال: 30(
وفي عجالة توضيحية، يحسن التذكير بعينة مما ينبغي الإعراض عنه، من افتراءات الجاهلين، قديمها وحديثها ضد الإسلام، لتكون مؤشراً للمبصرين والسامعين والمميزين، لبناء المواقف الواعية المناهضة للأباطيل ومروجيها ومثيري الشبهات الهادفة إلى زعزعة الإيمان بالمبادئ والحقوق والقيم، وقد اخترت ثلاث قضايا لهذه الغاية التذكيرية، تشمل الإعراض عن: من زعموا أنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، من جعلوا القرآن عضين، منكري موضع المسرى.
الإعراض عمن زعموا أنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ
أباطيل الكاذبين تجاه الإسلام لم تقف عند حد، فكان من أبرزها زعمهم أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، تعلم القرآن من بشر، فرد الله عليهم داحضاً زعمهم بجملة مفحمة، فالذي يزعمون أنه الملهم للنبي، صلى الله عليه وسلم، أعجمي، والقرآن الذي جاء به عربي مبين، فقال عز وجل: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ}(النحل: 103)
فالتهمة رغم أنها تتعلق بصلب الدين ومصدره، إلا أن الرد عليها لم يكن سوى معلومة دامغة، دحضت تلك الأكذوبة، بأقل الألفاظ، وقُضِي الأمر.
الإعراض عمن جعلوا القرآن عضين
الله جل في علاه أمر نبيه، صلى الله عليه وسلم، بالإعراض ليس عن أصحاب المزاعم الباطلة من الجاهلين فحسب، بل عن أصحاب الأفعال الآثمة أيضاً، فأمر الله بالإعراض عن المشركين في أعقاب التطرق لذكر الذين جعلوا القرآن عضين؛ أي أجزاء، وقالوا فيه أقوالاً مختلفة، وواحد عضين عضة، وقيل: هو من العضة، وهو السحر، والعاضة الساحر، والمعنى على هذا أنه سحر.(التسهيل لعلوم التنزيل2/149(
فخاطب الله نبيه، صلى الله عليه وسلم، قائلاً: {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ* كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ* الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ* فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ* فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}(الحجر:89-95)
الإعراض عن منكري موضع المسرى
سفاهة إنكار احتضان بيت المقدس للمسجد الأقصى المبارك، يدحضها النص الشرعي، والإثبات التاريخي والواقعي، ففي الحديث الصحيح عن الْبَرَاءِ أَنَّ النبي، صلى الله عليه وسلم: (كان أَوَّلَ ما قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ على أَجْدَادِهِ، أو قال: أَخْوَالِهِ من الْأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ صلى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أو سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا...}(صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب الصلاة من الإيمان)
فالقبلة الأولى حسب النص الحرفي لهذا الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه، كانت بيت المقدس، وموضع بيت المقدس معروف لدى العدو والصديق، فهو في قلب فلسطين، وفيه درة التاج المسجد الأقصى المبارك، الذي أسري إليه بالنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ومنذ ذاك الوقت وحتى يومنا وأصحاب الرأي من علماء الأمة والسيرة والتاريخ مجمعون على أن الإسراء الذي بدأ من المسجد الحرام، انتهى إلى المسجد الأقصى المبارك في بيت المقدس، وما أراجيف التشكيك بهذه الحقيقة سوى محاولات يائسة لتزييف التاريخ، لصالح صرف الأنظار، وحرارة القلوب عن التعلق بالمسجد الأقصى المبارك، ، ولصالح الطامعين بمحوه عن الوجود، وإحلال تطلعات صهيونية معادية مكانه، وهو جزء من عقيدة الإسلام.
ومثل هذا الإنكار فاضح الزيف، يناسبه الإعراض والتجاهل لعوره البين، وزيفه المنكر، فهو يتساوق مع الحملة المعادية الشعواء التي يشنها الاحتلال الصهيوني على أرض الإسراء والمعراج، والتي تستخدم فيها شتى صنوف الأسلحة والبطش والمكر، والأساليب المختلفة، والتي منها تضييق الحصار والخناق، وفرض الأمر الواقع على الأرض بما يتماشى مع الرواية الصهيونية، وتغيير أسماء الشوارع والأزقة والمباني والأحياء القائمة من عربية إلى عبرية، حتى إنهم يسرقون الحجارة الأثرية، وينقلونها إلى مواضع أخرى بهدف خدمة مشروع العبرنة والتهويد لهذه الأرض العربية المسلمة، ويركزون في أساليبهم على غسل الأدمغة المحلية والعالمية، لينطق من تنطلي عليهم الحيل بلسان عبري متصهين، من حيث يدري أو لا يدري، فيعبر عن وضع غريب عجيب يتناقض مع منهج من يحترمون تاريخهم ووجودهم، ويسعون جهدهم للاعتزاز بمبادئهم وتراثهم، بخلاف المنهزمين الذين يتبرعون بمزاياهم، وخصائص قوتهم، وحقائق تاريخهم، إلى أعدائهم دون أي مقابل سوى السخاء، في الانهزام، في القول والموقف والعمل والوجود.
والحقيقة التي يتجاهلها هؤلاء ومن رضي بمنهجهم وفكرهم وزيفهم، أن باطلهم لن يطول به المقام، فهم وإياه إلى زوال؛ لأنهم أعداء للحق والحقيقة، والله تعالى يقول: {...كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ}(الرعد: 17)
ولن تنفع الذين يسارعون في مواددة أعداء المسجد الأقصى ومحبيه معذرتهم، في الدنيا والآخرة، فالله سيسألهم عن تقصيرهم في الذب عنه والتفريط فيه، والتاريخ والأجيال ستذكرهم في مصاف المتخاذلين المتساقطين في شباك قلب الحقائق وتزييفها، وصلى الله وسلم على نبينا الأسوة محمد، الذي لبى أمر ربه، فأعرض عن الجاهلين، وصلى الله وسلم على آله الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه الغر الميامين، وعلى من تبعه ووالاه بإحسان إلى يوم الدين.
12 ربيع الثاني 1442هـ