.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

أنزل الله على قلبه القرآن بلسان عربي مبين - الحلقة الثانية

==========================================================

يقول الله تعالى في محكم التنزيل:{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ} (الرعد:37)
تعرضت الحلقة السابقة بإيجاز إلى أهمية اللغة العربية والاهتمام بها، فهي لغة القرآن الكريم، حيث أنزله رب العزة على قلب نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، بلسان عربي مبين، وقد تم الاستشهاد بآيات قرآنية تضمنت إخباراً عن هذه القضية، أو إشارات دالة عليها، إضافة إلى الوقوف عند معاني بعض الألفاظ التي استخدمت في سياق حديث القرآن الكريم عن لغته، ومن تلك الألفاظ: {أَنزَلْنَاهُ} و{جعلناه} و{فصلت آياته}، وخلصت الحلقة إلى أن نزول القرآن الكريم باللغة العربية فخر للعرب من ناحية، وميزة واضحة للقرآن الكريم، من ناحية أخرى.

القرآن أنزله الله عربياً حُكْماً ولِساناً
في الآية القرآنية الكريمة رقم 37 من سورة الرعد المثبت نصها أعلاه، يبين سبحانه أنه أنزل القرآن الكريم حكماً عربياً، يذكر الرازي ثلاثة وجوه في تفسير قوله تعالى: {أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيّا} الأول: حكمة عربية مترجمة بلسان العرب، والثاني: القرآن مشتمل على جميع أقسام التكاليف، فالحكم لا يمكن إلا بالقرآن، فلما كان القرآن سبباً للحكم، جعل نفس الحكم على سبيل المبالغة، والثالث: أنه تعالى حكم على جميع المكلفين بقبول القرآن، والعمل به، فلما حكم على الخلق بوجوب قبوله جعله حكماً، وأن قوله: {حُكْمًا عَرَبِيّا} نصب على الحال، والمعنى أنزلناه حال كونه حكماً عربياً.(التفسير الكبير: 19/49)
وفي سورة الشورى بين جل في علاه أنه أوحى إلى نبيه، صلى الله عليه وسلم، قرآناً عربياً، فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير}(الشورى:7)
يبين الزمخشري أن (ذلك) في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} إشارة إلى معنى الآية قبلها، من أنّ الله تعالى هو الرقيب عليهم، وما أنت برقيب عليهم، ولكن نذير لهم، وقوله تعالى هنا: {قُرْآناً عَرَبِيّاً} حال من المفعول به، أي أوحيناه إليك، وهو قرآن عربي بين، لا لبس فيه عليك، لتفهم ما يقال لك، ولا تتجاوز حدّ الإنذار، ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى مصدر أوحينا، أي ومثل ذلك الإيحاء البين المفهم، أوحينا إليك قرآناً عربياً بلسانك.(الكشاف:4/215)
أما في سورة الأحقاف، فأشار سبحانه إلى القرآن الكريم، مبيناً أنه لسان عربي، ومصدق لكتاب موسى، عليه السلام، فقال تعالى: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ}(الأحقاف:12)، والضمير في: {من قبله} يعود للقرآن، وكتاب موسى هو التوراة، و(إماماً) حال ومعناه يقتدي به، والإشارة في: {وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ} تعود إلى القرآن، ومعنى {مصدق} أي مصدق بما قبله من الكتب.(التسهيل لعلوم التنزيل:4/42)

قرآن عربي غير ذي عوج
من ثمرات نزول القرآن الكريم باللغة العربية، وضوحه وبيانه، فلا عوج فيه، مصداقاً لقوله عز وجل: {قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}(الزمر:28)
يفسر العلماء نفي العوج عن القرآن الكريم بأنه أنزل بلسان عربي مبين، لا اعوجاج فيه، ولا انحراف ولا لبس، بل هو بيان ووضوح وبرهان، وإنما جعله الله تعالى كذلك، وأنزله بذلك، {لعلهم يتقون} أي يحذرون ما فيه من الوعيد، ويعملون بما فيه من الوعد.(تفسير ابن كثير:4/53)
ويذكر البغوي عن ابن عباس أنه غير مختلف، وعن مجاهد، قال: غير ذي لبس، وقال السدي: غير مخلوق، ويروى ذلك عن مالك بن أنس، وحكي عن سفيان بن عيينة عن سبعين من التابعين، أن القرآن ليس بخالق ولا مخلوق.(تفسير البغوي:4/78)
ويبين السعدي أن المراد من نفي العوج عن القرآن الكريم، أنه ليس فيه خلل ولا نقص بوجه من الوجوه، لا في ألفاظه ولا في معانيه، وهذا يستلزم كمال اعتداله واستقامته، كما قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا}(الكهف:1)(تفسير السعدي:1/724) وكثير من المفسرين يؤكدون أن المراد من نفي العوج عن القرآن الكريم، يعني نفي الاختلاف عنه، فهذا أبو السعود يقول: {غير ذي عوج} أي لا اختلاف فيه بوجه من الوجوه، فهو أبلغ من المستقيم، وأخص بالمعاني، وقيل: المراد بالعوج الشك.(تفسير أبي السعود:7/252)
ويقول صاحب التسهيل لعلوم التنزيل في تفسير ذلك، بأن القرآن الكريم ليس فيه تضاد ولا اختلاف، ولا عيب من العيوب التي في كلام البشر، وقيل معنى: {غير ذي عوج} أي غير مخلوق، وقيل غير ذي لحن، فإن قيل: لِمَ قال: {غير ذي عوج} ولم يقل: {غير معوج} أن قوله {غير ذي عوج} أبلغ في نفي العوج عنه، كأنه قال: ليس فيه شيء من العوج أصلاً.(التسهيل لعلوم التنزيل:3/195)
فنزول القرآن الكريم باللغة العربية ميزة اختصه الله تعالى بها ليكون حُكْماً مفصلاً، لا عوج فيه، عسى أن ييسر الله الوقوف عند المزيد من مزايا نزول القرآن الكريم بلسان عربي مبين، في ضوء الآيات القرآنية الكريمة المنزلة على قلب النبي الأمين محمد، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
24 جمادى الأولى 1442هـ

تاريخ النشر 2021-01-08
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس