.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

نهاه الله عن طاعة أصحاب الأهواء - الحلقة الأولى

==========================================================

يخاطب رب البرية نبيه محمداً، صلى الله عليه وسلم، قائلاً: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} (الكهف: 28)
من مضامين الخطاب الرباني الذي شمله نص الآية الكريمة المثبت أعلاه، نهي كريم من الله عز وجل لنبيه الأسوة، صلى الله عليه وسلم، عن طاعة من أغفل قلبه عن ذكر الله، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ، وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً، يقول الشنقيطي: ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا يفعل شيئاً من ذلك، ولكن الله يخاطبه ليوجه الخطاب إلى غيره ضمن خطابه صلى الله عليه وسلم.(أضواء البيان، 2/3)
الطاعة بين اللزوم والرفض
الطاعة تعني الاتباع والانقياد والمسايرة، والحديث عنها في ضوء الحكم الشرعي، يتراوح بين لزومها ووجوبها، وبين رفضها، فهي تجب لله والرسول، صلى الله عليه وسلم، أي لأحكام الشرع الحنيف المستقاة من معين القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وتجب لأولياء الأمور من العلماء والأمراء حال تقيدهما بأحكام الشرع، ومن الآيات القرآنية الكريمة التي تسند هذا اللزوم، قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء:59)
فالله أمر بالطاعة مطلقة له سبحانه، ولرسوله، صلى الله عليه وسلم، ومقيدة لأولياء الأمور، وهم العلماء، أو العلماء والأمراء، وطاعتهم تقليدهم فيما يفتون به، فإنه لولا التقليد لم تكن هناك طاعة تختص بهم.(أضواء البيان، 7/317)
يقول الزمخشري: المراد بأولي الأمر منكم أمراء الحق؛ لأن أمراء الجور، الله ورسوله بريئان منهم، فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم، وإنما يجمع بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل، واختيار الحق، والأمر بهما، والنهي عن أضدادهما، كالخلفاء الراشدين، ومن تبعهم بإحسان، وكان الخلفاء يقولون أطيعوني ما عدلت فيكم، فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم.(الكشاف 1/556)
فيروى عن بعض أهل المدينة، قال: خطبنا أبو بكر، فقال: يا أيها الناس، إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن ضعفت فقوموني، وإن أحسنت فأعينوني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، الضعيف فيكم القوي عندي حتى أزيح عليه حقه، إن شاء الله، والقوي فيكم الضعيف عندي، حتى آخذ منه الحق، إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالفقر، ولا ظهرت - أو قال شاعت - الفاحشة في قوم إلا عمّهم البلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.(مصنف عبد الرزاق 11/336)
والطاعة الواجبة تكون في الأحوال جميعها، ولا تخضع للمزاجيات والأهواء، فعن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ، قال: (بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، على السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، في المَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ، أو نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كنا، لَا نَخَافُ في اللَّهِ لومه لَائِمٍ)(صحيح البخاري)
وطاعة الوالدين على ما لها من قداسة ولزوم، فإنها تعطل لما يصران على أمر الابن بالكفر أو المعصية، بدليل قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (العنكبوت:8)، مع التنبيه إلى ضرورة مصاحبة الوالدين بالمعروف، حتى حال رفض طاعتهما لأمرهما بشرك أو معصية، عملاً بقوله عز وجل: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (لقمان:15)
النهي القرآني المتكرر عن طاعة المنحرفين عن جادة الحق
المتصفح لآيات القرآن الكريم يجد عدداً منها تعاضد ما تضمنته الآية القرآنية 28 من سورة الكهف المثبت نصها أعلاه، في النهي الصريح عن اتباع الغافلين عن ذكر الله، المتبعين للأهواء، المنحرفين عن جادة الحق، ومن تلك الآيات قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً}(الإنسان:24)
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً}(الأحزاب:1)
{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً}(الأحزاب:48)
{فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً}(الفرقان:52)
{فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ*وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ* وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ* هَمَّازٍ مشَّاء بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ للْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ* أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ* إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ* سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ}(القلم:8-16)
فهذه الطائفة من الآيات الربانية، تتضمن كل منها نهياً صريحاً قاطعاً، عن طاعة الغافلة قلوبهم عن ذكر الله، المنحرفين عن الحق، في عقيدتهم وسلوكهم ومواقفهم، من الكافرين والمكذبين، والمنافقين والآثمين في حلفهم وهمزهم وعتلهم.
راجين أن يتاح المجال لاحقاً للوقوف عند موضوع نهي الله عن طاعة أصحاب الأهواء، حسب الخطاب الرباني الكريم الموجه لخير الأنام، نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الطاهرين، وأزواجه أجمعين، وأصحابه الغر الميامين، وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
23 محرم 1442هـ

تاريخ النشر 2020-09-11
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس