عن عَائِشَةَ قالت: (كان رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، إذا أتى الْمَرِيضَ، يَدْعُو له، قال: أَذْهِبِ البأس رَبَّ الناس، وَاشْفِ أنت الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إلا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا)(صحيح مسلم)
في أجواء المرض والوباء، يجدر التذكير بما يتيسر من نهج ديننا الحنيف في مواجهة الأسقام البدنية والصحية، فالمرض أولاً وأخيراً يصاب به المريض بقدر الله، ويشفى منه بقدر الله كذلك، مصداقاً لقوله تعالى المنسوب إلى إبراهيم عليه السلام:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (الشعراء:80) وما نسب إبراهيم المرض لنفسه إلا تأدباً مع الله، وإلا فهو والشفاء منه سبحانه، وفي الحديث أعلاه دعاء كان عليه الصلاة والسلام، يدعو به للمريض الذي يعوده، والمراد بإذهاب البأس، إزالة شدة المرض.(مرقاة المفاتيح:4/9)
لا بأس طهور
الناس يحتاجون إلى ربهم في سرائهم وضرائهم، وأحوالهم كلها، يدعونه كما أمرهم تضرعاً وخوفاً، فقال تعالى:{ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(الأعراف:55)، والدعاء للمرضى على وجه الخصوص يمكن أن يقوموا به أنفسهم، ويمكن أن يتضرع لهم به غيرهم من الخلق، وبخاصة الأهل والأحباب، ومن حق المسلم على أخيه أن يعوده إذا مرض، ويدعو له بالشفاء، فعن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما،(أَنَّ النبي، صلى الله عليه وسلم، دخل على أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، قال: وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، إذا دخل على مَرِيضٍ يَعُودُهُ، قال: لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إن شَاءَ الله، فقال له: لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إن شَاءَ الله، قال: قلت طَهُورٌ؟! كَلَّا، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ- أو تَثُورُ- على شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: فَنَعَمْ إِذًا) (صحيح البخاري)
فهذا الحديث محدود الكلمات، لكنه عظيم الفائدة، والرجاء، والأنس.
قوله:(يعوده) من عاد المريض إذا زاره.(عمدة القاري:25/148)، وجاء في مرقاة المفاتيح، أن عيادته صلى الله عليه وسلم المرضى فيه كمال تواضعه، المتضمن لرأفته ورحمته، وتعليماً لأمته، وكان من عادته، (إذا دخل على مريض، قال: لا بأس، طهور) أي لا مشقة، ولا تعب عليك من هذا المرض بالحقيقة؛ لأنه مطهرك من الذنوب، إن شاء الله تعالى، وقول الأعرابي:(بل حمى تفور) أي تغلي في بدني، كغلي القدور، وقوله: (تزيره القبور) أي تحمله الحمى على زيارة القبور، وتجعله من أصحاب القبور، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: أي غضباً عليه،(فنعم إذا) وفي نسخة إذن، أي إذن هذا المرض ليس بمطهرك، كما قلت، إذا أبيت إلا اليأس وكفران النعمة، فنعم إذاً يحصل لك ما قلت، إذ ليس جزاء كفران النعمة إلا حرمانها.(مرقاة المفاتيح:4/9)
الحمى تُذهب الخطايا
من أبرز علامات الإصابة بوباء "الكورونا" الحرارة العالية، إلى جانب مؤشرات أخرى، وارتفاع حرارة البدن إلى ما فوق الطبيعي، يدل غالباً على حالة مرضية، والمرض أسبابه كثيرة، وصدق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما وصف حال الجسد المعتل، فقال:(كَمَثَلِ الْجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا، تَدَاعَى له سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)(صحيح البخاري)، فالحمى علامة دالة على الإصابة بمرض وإعياء، ومع ذلك تم النهي عن لعنها، لربطها برفع الدرجات وتكفير السيئات، فعن جَابِرُ بن عبد اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، دخل على أُمِّ السَّائِب -أو أُمِّ الْمُسَيَّب- فقال: ما لَكِ يا أُمَّ السَّائِبِ - أو يا أُمَّ الْمُسَيَّبِ- تُزَفْزِفِينَ؟ قالت: الْحُمَّى، لَا بَارَكَ الله فيها، فقال: لَا تسبى الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كما يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ)(صحيح مسلم)،
ويؤكد هذا المعنى المطمئن للمرضى، وعدهم بالجزاء على ما يعانون من ألم، حيث يقول رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:(ما يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ من شَوْكَةٍ فما فَوْقَهَا، إلا رَفَعَهُ الله بها دَرَجَةً، أو حَطَّ عنه بها خَطِيئَةً)(صحيح مسلم)
لجوء المرضى إلى الله بالتزامن مع التداوي
قد يظن بعض الناس مخطئاً بأن التركيز على ربط الشفاء بالقدر، ووعد المرضى بالأجر، والتركيز على التضرع لهم بالشفاء، يعني التراخي عن التداوي، فالرسول، صلى الله عليه وسلم، لما ذكر الحمى حث على إبرادها بالماء، حيث قال:(الْحُمَّى من فَوْرِ جنهم، فَأَبْرِدُوهَا عَنْكُمْ بِالْمَاءِ)(صحيح البخاري)، فالحمى حرارة، ومن وسائل خفضها الماء، الذي يستخدمه المرضى عن طريق الكمادات وغيرها، وهذا ما أرشد إليه نبينا الأسوة، صلى الله عليه وسلم، فلم يتجاهل الدواء، وقد قال:(ما أَنْزَلَ الله دَاءً إلا أَنْزَلَ له شِفَاءً)(صحيح البخاري)، وقال:(لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فإذا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ، بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عز وجل)(صحيح مسلم) بما يدل على أن الداء يلزمه دواء، وليس دعاء فحسب.
والحث على التداوي لا يقلل كذلك من أهمية الدعاء، الذي مارسه المبتلون بالداء من الأنبياء والصالحين، وقد قال تعالى عن مَثلَهم الأعظم في الصبر على الداء:{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(الأنبياء:83)
أذهب الله البأس عنا وعن عباده المبتلين بالأمراض، ويسر لنا ولهم شفاء عاجلاً لا يغادر سقماً، وهدانا للمحافظة على عيادة المرضى، والتضرع لهم بالشفاء، تأسياً برسولنا الأسوة، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
25 رجب 1441هـ