القدس: في ظل رفع إيجارات العقارات أضاعفًا مضاعفة مع حاجة الناس إليها في قطاع غزة، فقد صدر عن سماحة الشيخ محمد أحمد حسين، المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، رئيس مجلس الإفتاء الأعلى، فتوى بالخصوص، هذا نصها:
(السؤال: ما حكم رفع أسعار إيجارات الشقق السكنية والمخازن -حواصل البيوت- في قطاع غزة في ظل الأزمة الراهنة؛ وكذلك ارتفاع ثمن الأراضي استغلالًا لحاجة الناس الذين هُدمت بيوتهم ونزحوا، ومبررات ذلك وأعذاره؟
الجواب: فإن من مبادئ ديننا الحنيف الرحمة بين أفراد المجتمع، وأن لا يتم استغلال حاجة الناس، وهذا ما أكده مجلس الإفتاء الأعلى في قراره 1/ 228 بتاريخ 17/ 7/ 2025م، الذي أشار فيه إلى أن رفع الأجور المبالغ فيها أضاعفًا مضاعفة، يعد أكلًا لأموال الناس بالباطل.
وتأجير البيوت أو العقارات يعد من جملة المعاملات التي ينبغي أن تسود فيها روح التسامح والرحمة، خصوصًا عند حاجة الناس إليها، قال صلى الله عليه وسلم: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى) [صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع، ومن طلب حقًا فليطلبه في عفاف]، قال ابن بطال في شرحه للحديث أن فيه: "الحضّ على السماحة وحسن المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة والرقة في البيع، وذلك سبب إلى وجود البركة فيه؛ لأن النبي، عليه الصلاة والسلام، لا يحضّ أمته إلا على ما فيه النفع لهم في الدنيا والآخرة" [شرح صحيح البخاري، 6/ 210]، وقال النووي: "أن يمتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل" [المجموع: 13/ 29].
ورفع الأسعار استغلالًا لحاجات الناس الماسة يتناقض مع مبدأ التراحم والتعاطف الذي أقره الرسول، صلى الله عليه وسلم، بقوله: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) [صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم].
وعليه؛ فيحرم استغلال حاجة الناس وابتزازهم برفع أثمان السلع وبدل المنافع بشكل فاحش مبالغ فيه، خاصة في ظل الوضع المأساوي الذي يعيشه أهلنا في قطاع غزة، ما يستدعي التأكيد على التراحم والتعاون على الخير، والرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول: (مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ) [صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم]، وتأسيًا بالأشعريين المثنى عليهم في ضوء حديث أبي موسى، أن النَّبِيّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: (إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُم) [صحيح البخاري، كتاب الشركة، باب الشركة في الطعام والنهد والعروض]، والله تعالى أعلم).
|