.::::: أخبار :::::.

مجلس الإفتاء الأعلى يحذر من خطورة الدعوة الضالة لما يسمى بالديانة الإبراهيمية

تاريخ النشر 2021-01-27

القدس: في ظل ما يتداوله بعض الناس عما تسمى بالديانة الإبراهيمية، كمشترك ديني بين مختلف الديانات، ومنها الإسلام؛ فقد ناقش مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين هذا الطرح المشبوه، وأصدر قراراً يعتبر فيه هذه الديانة وما ينبثق عنها ردة عن الإسلام، ويحرم التعاطي مع المروجين لها، سواء من العرب والمسلمين وغيرهم، هذا نصه:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، وآله وصحبه أجمعين، وبعد؛
فيظهر أن "الإبراهيمية" باعتبارها مشتركًا دينيًا أو روحيًا بين الأديان الثلاثة، تهدف إلى تشكيل علاقة خاصة بين أتباع الأديان في منطقة الشرق الأوسط، من خلال استخدام اسم النبي إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وذلك نظرًا لمكانته عندهم، واستخدام مفاهيم ومصطلحات ووسائل تخدم تلك الفكرة، نحو ما يسمى مسار إبراهيم، والولايات المتحدة الإبراهيمية، وبناء دور العبادة لأتباع الأديان في مجمع واحد، وغير ذلك، مما يفضي إلى محاولة صهر الأديان في دين روحي واحد، والسعي إلى نزع القدسية عن المقدسات، خاصة لدى المسلمين في قرآنهم وأرضهم ومدنهم، ومنح القدسية لبدائل أخرى، ومقدسات جديدة، ويعني ذلك نسف ما هو مقدس لدى المسلمين، وتهديد عقيدتهم ومقدساتهم.
إن دمج الأديان تحت مسميات يخترعها البشر كما في "الإبراهيمية" المزعومة؛ أمر مرفوض في الإٍسلام؛ لاصطدامها مع العقائد السليمة الصحيحة فيه، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ* وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: 1-6].
وإن التجمع تحت مظلات ظاهرها التقارب بين أصحاب الديانات المختلفة، بذريعة نزع فتيل الصراع المتأجج بينهم، إنما هي محاولات يائسة محكوم عليها بالفشل.
والاعتزاز بالحنيفية ملّة إبراهيم الحقّة، لا منافاة بينه وبين اتباع الإسلام دين النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، الذي أصبح هو الدين المعتمد عند رب البرية، منذ بعثة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 19]. وقال سبحانه وتعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل: 123]، وقال جل شأنه: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: 67]. وقال جل شأنه: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 68].
إن خلط دين الإٍسلام بمعتقدات من خارجه أمر لا يرضاه الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، فقد نهى القرآن الكريم عن مثل هذا الخلط، فقال تعالى: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 42]، وأكثر علماء التفسير من التابعين وغيرهم يرون في معنى الآية، أي: لا تخلطوا اليهودية والنصرانية بالإسلام [ تفسير القرطبي 1/ 341].
ولما كان من أصول الاعتقاد المجمع عليها عند المسلمين أنه لا يوجد دين حق سوى الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لما قبله من الملل والشرائع، وأن القرآن خاتم الكتب، وناسخ لها، ومهيمن عليها، وأن رسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء والمرسلين، فإن الدعوة إلى ما يسمى وحدة الأديان والتقارب، وصهرها في قالب واحد، دعوة خبيثة ماكرة تهدف إلى هدم الإسلام، وإلغاء الفوارق بينه وبين غيره، ولا تغرن أحدًا من المسلمين الشعارات التي يرفعها من يقف وراء هذه الفكرة، من مراكز بحثية وجمعيات عالمية، وما يسمى من تعزيز المشترك بين الأديان من قيم التسامح والتعايش، وتنحية ما يحث على الكراهية والخلاف والتصادم بين أتباعها، إنها شعارات براقة كذابة، لا أساس لها من الصحة في عقيدتنا، فهي شعارات نبيلة في أصلها لو طبقت كما يريد رب العالمين، لا كما يريدون هم، فشعاراتهم في حقيقتها ردة عن دين الإسلام، وفكرة مرفوضة شرعاً، محرمة قطعاً، بأدلة الكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [البقرة: 217]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
كما أن مشروع الدين الإبراهيمي المزعوم، فضلاً عن استهدافه عقيدة المسلمين تحديداً، لكنه توظيف سياسي لمفهوم الديانة الإبراهيمية، يستفيد منه المحتل الغاصب، لترسيخ حقه المزعوم الموهوم، فهو إذن يشكل خطرًا واضحًا على مجمل قضايا أمتنا، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وخاصة المسجد الأقصى المبارك، وقد تجلى ذلك بما أصدره القائمون على هذا المشروع من وثيقة "مسار إبراهيم"، والذي يهدف إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، بما يتماهى مع خارطة إسرائيل الكبرى، وهي تنص صراحة على أن أراضي الدول التي يسجلها هذا المسار ليست ملكًا لقاطنيها، وإنما هي خاصة بأصحاب الحق الأصلي، الذين يزعمون أنهم الأبناء الحقيقيون لإبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وبذا يتيح لهم الدين المنسوب إليه زورًا وبهتانًا فرصة الاندماج في المنطقة، والمطالبة بحقوقهم التاريخية والدينية المدعاة في أي مكان وطئته أقدامهم، حسب التصور التوراتي.
والذي يظهر لنا من هذه المسميات أنها ضرب من التضليل والخداع، فلا مشكلة للمسلمين ولا للفلسطينيين مع أتباع الديانات السماوية، فحقيقة الصراع في أرضنا تتمثل في مواجهة المشروع الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني.
ويظهر أن المروجين لها يتذرعون بهذه التسميات، لتبرير أفعالهم الخبيثة، فيسمون هذه الاتفاقات وتلك المسارات باسم (إبراهيم) عليه السلام، ولو كان ما يفعلونه صواباً لما احتاجوا إلى أن يعطوه اسم (إبراهيم)، وإنما هو تأسيس لما بعده من مصائب، ومحاولة بائسة لتغطية المخازي السياسية، بغطاء مقدس من الدين، لتمريرها على الناس.
وعليه؛ يرى مجلس الإفتاء الأعلى أن الدعوة إلى الديانة الإبراهيمية الحديثة المزعومة وما يتفرع منها، تشكل ردّةً صريحة عن الإسلام، وهي دعوة ضالة، خبيثة ماكرة، الغرض منها خلط الحق بالباطل، وتشكل خطرًا محدقًا بالقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى المبارك، يحرم اتباعها، أو تبنيها، ولا بد من تفنيدها، وكشف حقيقة أهدافها، وبيان مخاطرها.
والله يقول الحق ويهدي إلى سواء السبيل




 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس